﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
اللسـان أو اللغـةَ هـيَ المقـوّم والـركـن الأسـاسـي لكيـان الإنسـان بعـد خلقـه مـن العـدم إلـى الـوجـود .

﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

كـذلـك اللغـة أسهـل السُبـل لتـواصـل النّـاس فيمـا بينهـم فهـي الأداة التـي تحمـل الأفكـار
بهـدف التفـاهـم بـالخطـاب وابـداء المشُاعـر واظهـارها كـالخـوف والحـزن والحـب والألـم والبغـض.

وأمـا أهميـتهـا الاجتمــاعيـة ؛ فـالّلغـة هـيَ التـرسـانـة التـي تحمـي الأمّـة مـن والتشتّـت و الاضمحــلال و الضيــاع و الــذوبـان فــي الحضــارات الأجنـبيــة ، و تبعــث الحيـــاة الجـوهـريـة فـي جسـد كـلّ أمّــة وتـرسّــخ هــويّتهـا بجـذور كيـانهـا .

الصّفـات المـذكـورة اعـلاه لأهميّـة الّلغـة وتـأثيـرهـا لحفـظ هــويّـة الأمــم ،تشمـل كـافّـة الشعـوب وتشتـرك فيهـا كـلّ الّلغـات ،ولكـن للعـربيّـة خصـائـص تمتــاز بهـا عـن غيـرهـا مـن الّلغـات ، فـأصبحـت سيّـدتهـنّ بغنـاهـا وعـدم استعـارتهـا مـن غيـرهـا،وبهـا دوّنَ العلـم والأدب والطـبّ والقيـم والمكـارم مـن الخصــال الحميـدة فمثّلـت الحيـاة بكـلّ معـانـيها بهـدف إكـرام الإنسـان وتهـذيبـه ،فـإنّهـا لغـة *الضّـــاد* حيـث احتكـرت هـذا الحـرف لتمتـاز بـه فعـرفـت بهــذه الصفــة والإسـم ، ولهـذا لـم تجـد فـي سـائـر الّلغـات مخـرجـاً لهـذا الحـرف إلا فـي الّلغـة العـربيـة.

فهـي أجمل وأرقـى وأعظـم وأشـرف الّلغـات سمـوّاً وعِـزّاً فـلا تنـافسهـا علـى مكـانتهـا أيّ لغـةٍ أخـرى لأنّهـا اقتـرنـت بـأكمـل وأبلـغ كتـاب عـرفتـهُ البشـريـة علـى الإطـلاق الا وهـو القـرآن الحكيـم ،فـأيـن مـا ذكـر القـرآن تبـادر للـذّهـن بـلاغـة وجمـاليـة المفـردات العـربيـة وبـالمقـابـل لـم تُحفَـظ العـربيّـة إلا بفضـل القـرآن .

فـاقتـرنـا وتعـاضـدا معـاً بـاقتـرانٍ لانظيـر لـهُ فـي كـلّ الّلغـات حيـث لايمكـن فصلهمـا عـن بعـض ولـذلـك أيّ الكتـب التـي تـمّ تـدوينـها مـن قبـل الإنســان ، بـل حتّــى الكتــب السمـاويـة بـإستثنـاء القـرآن الكـريـم ، فقـد تمّــت تـرجمتهــا وطبـاعتهـا إلـى شتّـى الّلغـات مـن دون أي حـرج لأنّهـا لـم تنـزّل بـالعـربيـة ،ولهـذا أكّـد البـاحثيـن فـي علـم وقـواعـد الّلغـة العـربيـة وخـاصّـة المتبحّـريـن منهـم ،بـأنّ مـن المستحيـل أن يتـرجـم القـرآن دون أن يفقــد قــوّة معــانيـه وبــلاغتــه الإعجـازيـة، علـى سبيـل المثـال عنـدمـا تقـدّم طـلبـة العلـم بـاستفسـارٍ للشيـخ رحيـم اربـاب اصفهـانـي فــي سنــة ۱۳۳۶ هـ.ش ، كـان مضمـونـه ؛لمـاذا لايُسمـح لنـا أن نصلّـي بلغتنـا الفـارسيـة قـال الشيـخ لهـم : ليـس فقـط لا يمكنـكـم تـرجمـة الصـّـلاة فحسـب ، إنمـا لـن تستطيعـوا تـرجمـة (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) إلـى غيـر العـربيـة وهـيَ تحتـفــظ بكـلّ معـانـيهـا العمـيقــة مـن دون المسـاس بهـا ،نـاهيـك عـن لفـظ الجــلالــة ( *الله* ) لأنّ لفــظ الجـلالـة أسـم علـم خـاص حيـث لا يسمـح بتـرجمـة الإسـم الخـاص.

منــذُ القـدم أهتمّـت العــرب بـالحفـاظ علـى لُغتهـم وكـانـت إحـدى مفـاخـرهـم قبـل نـزول القــرآن وتفـنّنــوا بفصــاحتهـا وابــدعـوا ببـلاغتهـا ومـن حـرصهـم وخـوفهـم علـى ضيـاعهـا ،فقـد كـانـوا يبعثـون بـاطفـالهـم لقلــب البــاديـة ليتـقنــوا مفـردات أهلهـا الأصيلـة حتّـى لا يـؤثّـر علـى عــروبـة وإصـالـة لغتهـم نتيجـة ذلـك الكـلام الـذي يسمعـونـه فـي الأسـواق وأزقّــة المـدينـة يتبـادلـه التجـار الأجـانـب والـزائـريـن للمـدينـة خـوفـاً علـى لغـتهـم لتبــقَ سليمــة مـن الّلحــن نتيجــة الاختـلاط العـابـر مـع سـائـر اللغـات،،
فـأيـن نحـن مـن هـؤلاء حيـث نتعمّـد بتعليـم الّلغـات الأعجميـة لطفـلنــا ظنّـاً منّـا هــذا الفعــل يمثـّـل التطــوّر والتمــاشـي مـع التكنـولـوجيـا الحـديثـة !!؟

نـزول القـرآن الكـريـم بهـذه الجـوهـرة المكنـونـة الثمينـة أضـافهـا بـريقـاً للمعـانهـا ،ذلـك الكتـاب السمـاوي الـذي تتجـدّد بـلاغتـه مـع تقـدّم العصـور ،علـى قلـب نبينـا المصطفـى محمّــد صلّـى الله عليـه وآلـه وسلّـم بـالتـأكيـد لـم يـكن اعتبـاطـاً وصـدفـة أبـداً ،إنّمـا هـو اختيـارٌ مـن ربّ العـالميـن ،ولهـذا كلّـما تتقـدّم العصـور يجـدون فـي لُجَـج القـرآن أسـراراً لا يمكـن للبشـر تـدوينهـا وهـي تـواكـب العلـم الحـديـث فتبقـي البـاحـث بـدهشـةٍ وحيـرة، وهنـالـك يحـقّ القـول أنّـهُ كـالبحـر ظـاهـره أنيـق وبـاطنـه عميـق كمـا وصفـه الامـام علـي(ع) ،فكـان ولـم يـزل القـرآن الحكيـم هـو معجـزة الـرسـول محمّـد (ص) والشـاهـد علـى صـدق رسـالتـه الخـالـدة :

﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾

نعـم … هـذا الإرتبـاط بيـن الّلغـة العـربيـة والقـرآن الحكيـم قـد حيّـر البـاحثيـن ولهـذا لا يمكـن أن يـدّعـي شخـص بـأنّ القـرآن مـن كتـابـة إنسـان مهمـا بلغـت ذروتـه بـالعلـم .

﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ  مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾

فقـد فصّـل العليـم آيـاتـه ثـمّ أحكمهـا ببـلاغـة لغـة الضّـاد وجمـالهـا وفصـاحتهـا وجعـل عـربيّتـه مـن الصّفـات المـلازمـة لهـذا الكتـاب الـذي لـم ولـن تعـرف البشـريـة كتـاب بهـذه الحكمـة والبـلاغـة والفصـاحـة ،فكمـا أُحكمـت آيـاتـه مـن لـدن حكيـم خبيـر بلغـةٍ أحبـاهـا الله وعـزّزهـا ،فـلا يمكـن أن يُنكَـر فضـل القـرآن المجيـد للحفـاظ علـى الّلغـة العـربيـة ،لأنّ جميـع الّلغـات تـلاشـت وذابـت بيـن سـائـر الّلغـات واختلطـت المفـردات والكلمـات والمعـانـي وتشعّبـت الـى لغـاتٍ شتّـى و نـادراً مـاتجـد لغـة حـافظـت علـي أسسهـا كمـا كـانـت منـذُ القـدم إلا الّلغـة العـربيـة المنتشـرة فـي الجـزيـرة العـربيـة آنـذاك .

﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ  ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾

تكـرار صفـة *العـربـي* للقـرآن جـاءت مـرافقـة مـع الّلسـان ،وهـذا دليـلٌ لعـالميّـة القـرآن والإسـلام لأنّهـا لـم تـرد كصفـةً للمخـاطَبيـن ولـم تخـصّ قـوم دون قـوم ولا تقصـدنـا نحـن أبنـاء العـروبـة وإنّمـا أراد الله فـي الـذكـر الحكيـم أن يصـف القـرآن وخـواصـه الفـريـدة وكـذلك أراد ربّ العـزة أن يعـرّف مكـانـة الّلغـة العـربيـة وأشـاد للعـالميـن جميعـاً بمنـزلـة الّلغـة العـربيـة وربطهـا بـالإسـلام حيـث جعـل للمسلميـن لسـانـاً يعـرّب عبـادتهـم ويـوحّـدهـا فـي الصـلاة وتـلاوة الكتـاب والعقـود وكثيـر مـن احكـام دينهـم مهمـا اختلفـت قـوميتهـم، فهـذا التعبيـر أحـد أسـرار العـربيـة وعظمـتها وتـوثيقهـا بـالإسـلام وثـاقـاً محكمـاً لا يـدرك معـانيـه إلا مـن تبحّـر بعلـوم الّلغـة والقـرآن .

﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾

إذاً لا يمكـن لإستخـراج الأحكـام ومعـرفـة الأمـور الـدينيـة إلا بإتقـان ومعـرفـة القـواعـد الّلغـة العـربيـة فصـارت معـرفتهـا مـن العلـوم الـدينيـة لأنّ لهـا خصـائـص عـديـدة لـوسعـتها وتعـدّد مفـرداتهـا حيـث مـن الممكـن أن تتغيّـر المعنـى بمجـرد تغييـر حـركـةٍ أو حـرف مشـابه لحـرف وقـريـب لفظـه فـي مخـارج الحـروف مـع جمـال معـانيهـا وجـودة تعـابيـرهـا وتفنّنهـا فـي الإيجـازِ والإشـارة ممّـا يطـول شـرحـه عنـد بـاقـي الّلغـات ،وعـذوبـتها علـى الألسـن حيـث تُطـرِبُ سـامعهـا وتسهّـل الحفـظ لـهُ .

لسـان حـالهـا تصـف نفسهـا كمـا قـال حـافـظ ابـراهيـم:

وَسِعْـتُ كِـتَابَ اللهِ لَفْظـاً وَغـَايَـةً
وَمَـا ضِقْـتُ عَـنْ آيٍ بِـهِ وَعِظـَاتِ

فَكَيْفَ أَضِيقُ اليَوْمَ عَـنْ وَصْفِ آلَةٍ
وَتَنْسِيـقِ أَسْمَــاءٍ لَمُخْـتَرَعـَاتِ؟!

أَنَا الْبَحْـرُ فـِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ
فَهَلْ سَاءَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي

فبعـد ظهـور الإسـلام اتّضـح للمسلميـن أهميّـة الّلغـة العـربيـة ولـزوم معـرفتهـا لهـدف معـرفـة دينهـم وصـار العـرب أكثـر همّـة لحفـظ وتعليـم علـوم قـواعـدهـا ،ولهـذا بعـد تـوسّـع الـديـن الحنيـف ودخـول الاقـوام المجـاورة إلـى الإسـلام مثـل الفـرس والـروم والأتـراك والأقبـاط ، أخـذ العـرب الحـذر مـن ضيـاع لغتهـم وحـرصـوا علـى أولادهـم أن لايقعـوا تحـت تـأثيـر الأجـانـب بحكـم إنـدمـاجهـم وصـاروا يفكّـرون بـالأمـر بجـديّـة أكثـر ،فوضـع أبـوالأسـود الـدؤلـي علـم النحـو بـأمـر وتعليـم مـن الإمـام علـي عليـه السـلام وتـوسّـع بعـدهـا بهـدف تحكيـم أسـس الّلغـة .

نعـم …هكـذا جـاهـد الآبـاء والأجـداد واهتمّـوا بسـلامـة لغتهـم لأنّهـم يـرونهـا مجـدهـم وهـويّتهـم و وطنهـم الـذي ينتمـون لـه ،فكـانـوا يستعيبـون مـن لـم يقـوّم لسـانه علـى العـربيّـة ويسمّـون كـل كـلامٍ بغيـر العـربيّـة ،هـوَ لسـان أعجمـيَّ .

﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيّ﴾

وتـوّجـت الّلغـة العـربيـة بهـذا الفخـر بـأنّ مـن أراد إدراك معـانـي القـرآن ومفـاهيمـه ، فـلابـدّ لـه أن يسعـى لـذلـك عـن جهـة معـرفـة لسـان العـرب ولا سبيـل لغيـره أبـداً .

﴿لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِين﴾

تـدلَّ *﴿لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِين﴾* بـأنَّ كـافّـة الّلغـات غيـر العـربيـة ينقصهـا جـودة البيـان ،فـالكـلام المبيـن ذلـك الـذي لا اعـوجـاج فيـه من عُجمـة أو كـلام دخيـل عليـه أو نقـص لإخـراج الحـروف ،حيـث لاتجـد عيبـاً فـي الّلغـة أبـداً مفهـومـة ،سلـسـة لاتخـرج عـن أسسـها ولا قـواعـدهـا ،كـلّ مفـردة تنتمـي لجـذورهـا ،بعيـدة عـن التشتّـت ،منسجـمة ،كـالـدّر المنظـوم وكـالآلـي منثـورة ،هـو اللسـان العـربـيّ المبيـن ،لا يتعـب مستمعـه، تطـرب لـه الأذن وتعشقـه قبـل العقـل، لايتقبـل المفـردة الغـريبـة،، ولا يشتمـل هـذا المعنـى علـى النطـق والمعـانـي للمفـردات الغنيّـة ولا يطلـق إلا علـى لغـة الضـاد دون غيـرهـا ،ولهـذا أكّـد علمـاء الّلغـة بـأنّ تعلّـم اللّغـة العـربيّـة يقـوّم الّلسـان ويجعـله مُستقيمـاً غيـر ذي عـوج، فهـو أكثـر الألسـن وضـوحـاً ولا تجـد فيـه مبهمـاً مـن القـول أو عجمـة فـي البيـان.

وبعـد شـروق شمـس الإسـلام أصبحـت العـربيـة أكثـر الّلغـات انتشـاراً وكُتـب بهـا الكثيـر مـن
الكتـب الفلسفيـة والاجتمـاعيـة والهنـدسيـة والفلـك و شملـت أيضـاً مجـال الطـب والفيـزيـاء والكيميـاء وعلـم الأحيـاء كمـا تـأثّـرت بهـا العـديد مـن الّلغـات المجـاورة والبعيـدة فـاستعـارت منها بعـض مفـرداتهـا وحـروفهـا حيـث بعـض هـذه الّلغـات فشلـت أخيـراً فـي محـاولاتٍ عـدّة و تشكيـل فـِرَق وجمعيّـات متخصّصـة لإستخـلاص لغتهـم مـن العـربيـة فلـم يجـدوا إلـى ذلـك مـن سبيـل ولـم تـزل المحـاولـة جـاريـة دون جـدوى!!

صنّفـت العـربيـة ضمـن المـراكـز الأولـى عـالميّـاً مـن حيـث الأهميـة والاصـالـة والإنتشـار فهـيَ مـن الّلغـات السِـتّ فِـي منظّمـة الأمـم االمتحـدة و يحتفـل بهـا عـالميّـاً فـي ۱۸/ديسمبـر مـن كـلّ سنـة .

بعـدمـا تعـرّفنـا علـى أهميّـة الّلغـة العـربيّـة وميّـزاتهـا علـى سـائـر الّلغـات ،سـوف نجـد أنفسنـا محـاصـريـن مـن عـدة اسئلـة مـرغميـن علـى الإيضـاح بـالأجـوبـة مـن طفلنـا وعقـولنـا إن كـان هنـاك ثمّـة احتـرام للعقـل ورعـايـة حـقّ الطفـل !!

،نتطـرق لبعضهـا حسـب أهميتهـا فـي حيـاتنـا لمجتمـنا العـربـي .

أولاً :
نظـراً لمكـانـة الّلغـة العـربيـة عـالميـاً كمـا وصفـوهـا لعـذوبتهـا وقـوّة قـواعـدهـا وتـزاحـم المعـانـي والمفـردات بهـا ،وكثـرة أقبـال سـائـر القـوميـات علـى دراستهـا و…. ،

-فلمـاذا لا يسمـح للعـربـي المسلـم الـذي تسمّـى بهـا وأنتسـب لهـا ،أن يمـارس الـدراسـة بهـا طبقـاً للمـواثيـق الـدوليـة والـدستـور المصـدّق عليـه للـدولـة ؟؟

-وهـل هنـاك ربـط بيـن التفـوّق العلمـي والـدراسـة بـلغـة الأم؟

-لمـاذا لايسمـح للتعليـم بـالّلغـة القـوميـة للشعـوب المتعـايشـة معـاً يجمعهـم أسـم الـوطـن ولـم يطمعـوا بـأكثـر مـن حقّهـم المعتـرف فيـه قـانـونيّـاً بهـدف تـأكيـد الهـويّـة بجـانـب العلـم كسـب العلـم ؟

لابـدّ للتنـويـه بـأنّ أغلـب الأستفسـارات المطـروحـة هنـا ليـس مـن الضـروري أن نجـد لهـا جـوابـاً حـاسمـاً ولكنَّنـا مـع ذلـك نتـركهـا مطـروحـة علـى طـاولـة النقـاش والإستفسـار حتّـى نـزيـح عنهـا غبـار النسيـان والتجـاهـل لعـلّ يـومـاً يعـالجهـا مـن يهمّـه الأمـر، نطـرحهـا بصيغـة سـؤال وهـي تحمـل عشـرات الأجـوبـة لأولـي الأبصـار فـي طيـاتهـا ،وبطـرحهـا نـأمـل أن نستـردّ حقّـاً مشـروعـاً قـد أضـاعـوه وتنسـاوا عنـه ونُمِيـط اللثـام عـن أمـورٍ لكـي ينكشـف المـزيـد مـن المـلامـح الحقيقيـة لهـذا الشعـب الـذي علّـق آمـالـه علـى شعـارات المنـدوبيـن المتخـاذليـن الخـاذليـن لشعبهـم :

فكمـا قـال المتنبّـي:

نَحْنُ أدْرَى وَقد سألْنَا بِنَجْدٍ
أطَـوِيلٌ طَـرِيقُنَا أمْ يَطُـولُ

وَكَثيرٌ مِنَ السّؤالِ اشْتِيَاقٌ
وَكَثِيــرٌ مــِنْ رَدّهِ تَعْليــلُ

السـؤال الثـانـي:
-مـاهـو دور الإنسـان العـربـي إزاء لغتـه وهـويتّـه وخـاصّـة المثقّـف العـربـي الـذي يحمـل علـى عاتقـة مسـؤليـة تتنـاسـب مـع حجـم علمـه وتـأثيـره علـى مـا يحيطـه مـن أسـرتـه والمجتمـع .

معـرفتنـا لأهميـة الّلغـة التـي هـي أهـم الأركـان لهـويتنـا يغـرس فينـا الإيمـان أنـه لا غنـىً لنـا عنهـا، ولهـذا علينـا الإعتـزاز والتكلّـم بهـا وليـس بغيـرهـا مـن الّلغـات كمـا نشـاهـده لـدى بعـض أفـراد المجتمـع ،لأنَّ الأمّـة التـي تجهـل وتهمـل لغتهـا ،بـالـواقـع إنّهـا تحفـر نهـايتهـا، وتسمـح لطغيـان بقيـة الثقـافـات علـى تـلال أسـس ثقـافتهـا المنـدثـرة ،فمـا أُهمِلَـت لغـة شعـبٍ إلا وقـع تحـت وطئـة التهميـش والـذلّ ،وإذا استهـدفـت لغتهـم للتـدميـر كـان نهـايـة أمـرهـم الإضمحـلال والضيـاع وسـرعـة خطـوات مجـدهـم نحـو الإدبار والأفول ، فيصبحـون نهـزة الطـامـع وقبسـة العجـلان ومـوطـئ الأقـدام فيسهـل الطـريـق لإستفحـال المستعمـر فـي فـرض لغتـه علـيهم فيُشعـرهم بقـوّتـه وعظمتـه ليـرهبهـم حتّـى يشـرع بـذوبـانهـم تـدريجيّـاً ويـزقّ بلغتهـم فـي السجـن كمـا يغتـال مـاضيهـم ويـرمـي بجسمـه المتـلاشـي فـي زوايـا النسيـان وبـذلـك يقتـل فيهـم الحـسّ الـوطنـي والمـروءة القـوميـة ليصبحـوا دون إرادة !!

اليكـم مـا قـالـه أجنـازيـا بـوتينـا شاعر صقليـة :

(ضـع شعبـاً فـي السـلاسـلِ جـرِّدهـم مـن مـَلابِسهـم
سُـدَّ أفـواهَهـم..
لكنَّهـم مـا زالـوا أحـراراً !!
وجَـوازات سفـرِهـم
والمـوائـد التـي يـأكُلـون عليهـا
والأَسـِرَّة التـي يـَنامُـون عليهـا..
لكنَّهـم مـا زالـوا أغنيـاء!!
إنّ الشعـب يفتقـر ويُستـعبَـد
عنـدمـا يُسلـَب اللسـان الـذي
تـرَكَـه لـه الأجـداد وعنـدئـذٍ
يضيـعُ لـلأبـد)

ولهـذا فقـد أصبـح إتقـان لغتنـا مـن أهـم الـواجـب علينـا و صـيانتنـا لهـا ومحـافظتنـا عليهـا فـي إبعـاد الشـوائـب والـدخيـلات الأجنبيـة العصـريـة وحيـث البعـض منهـا المقصـودة لتـدميـرهـا هـو إداء لحقـوق لغتنـا الـواجبـة ،ويجـب استخـدامهـا فـي كـلّ المجـالات للحيـاة .

أيُّهـا العــربـي ..
لا تتـردّد أو تخجـل مـن التكلـم بلغتـك ،فـلا تحتـوي بـداخلهـا ممّـا يثيـر فيـك الخجـل ،دوّن افكـارك بهـا واستخـدم مفـردات مهنتـك بحـروفهـا لِتـُوصِـلَ المعلـومـة وكـذلـك فـي استخـدامـك لبـرامـج التـواصـل الاجتمـاعـي عليـك أن تكتـب بلغـة الأم وليـس بلغـاتٍ أخـرى، لأنّنـا فـي هـذه البـرهـة الـزمنيـة الحـرجـة يلـزمنـا خـدمـة لغتنـا لإثبـات وجـودنـا حيـث تتصـارع الحضـارات وتسعـي القـوة المهيمنـة فـي السّـاحـة لطمـس الثقـافـات المغلـوبـة علـى أمـرهـا بهـدف إنـدثـارهـا والتهـامهـا وتفتـيتهـا تمـامـاً .

الغـزو الثقـافـي أخطـر بكثيـرٍ مـن الإجتيـاح العسكـري علـى الشعـوب الأقليـة الـواقعـة ضمـن دائـرة سلطـة المحتـل التـوسعيـة ،ولهـذا فـإنّ قيـادات الطـامـعين تعـيَ تمـامـاً أنّهـا لا تـواجـه مجـرد كلمـاتٍ مـن النثـر والشعـر أو قـواعـد أدبيـة وروايـاتٍ تـراثيـة ،إنّمـا تـرى نفسهـا بمـواجهـة مـا تـرمـز اليـه تلـك الكلمـات بمعـانيهـا التـوعـويـة وتقـوّي صمـود أهلهـا لتحكّـم جـذورهـا المتـرسخـة فـي ذات الشعـب لتعكـس تـاريخهـم وثقـافتهـم المستهـدفـة ،فلهـذا تسعـى لتهميـش هـذه اللغـة للسيطـرة علـى مقـدّراتهـم وثـرواتهـم بسلبهـم الاستقـلال الـذاتـي والضيـاع الثقـافـي وتـزلـزل صـلابـة المـوقـف حتّـى يصبحـوا لقمـة سائغة لمتنـاول الأيـدي لخـدمـة عجلـة الإنتـاج لإشبـاع مطـامعهـم التـوسعيـة .
فهـل تهمـل لغتـك بعـد معـرفتـك بـأهميّتهـا الاجتمـاعيـة الثقـافيـة السيـاسيّـة التـاريخيـة لإثبـات وجـودك حتّـى يُعطـىَ لـك مـا سُلِـبَ منـك بـالإمـس؟؟

احمـــ العتيقـي
َ

اشتراک این خبر در :