سید محفوظ آلبوشوکه زرگان (10)

عندما شاهدت الحشود التي حضرت یوم امس في مقبرة الزرگان، خاصة في لحظات کثُر البکاء و اعتلی صوت النحیب، نحیب رجالٌ اخنقتهم العبرات عند فقد معلماً و استاذاً و اباً معنویاً… تمعنت في المشهد المؤلم… كم هي قاسية لحظات الوداع والفراق، التي تسجل وتختزن في القلب والذاكرة، وكم نشعر بالحزن وفداحة الخسارة والفجيعة، ونختنق بالدموع، ونحن نودع واحداً من جيل المعلمین والأساتذة الافاضل المؤمنين بالرسالة التربوية العظيمة، الناكرين للذات، من ذلك الزمن الجميل البعيد، أستاذنا جميعاً، المعلم المرحوم سید محفوظ آلبوشوکة، الذي فارق الدنيا، بعد مسيرة عطاء عريضة، ومشوار حياة في السلك التعليمي والعمل التربوي والاجتماعي، تاركاً سيرة عطرة، وذكرى طيبة، وروحاً نقية، وعبق أريج نرجسة في ربى الروحة، وشذا شجرة طیبة يافية، وميراثاً من القيم والمُثل النبيلة.

فيا أيها الانسان الطيب، والمعلم المخلص، ويا نبع العطاء والنهر المتدفق حباً لعملك، يعز علينا فراقك، في وقت نحتاج فيه الى امثالك من الرجال الأوفياء الصادقين.

ومهما كتبنا من كلمات رثاء، وسطرنا من حروف حزينة باكية، لن نوفيك حقك لما قدمته من علم ووقت وجهد وتفانٍ في سبيل شباب ورجال الحاضر و المستقبل والغد، وعلمتنا من أخلاق وقيم فاضلة، وغرست فينا حب العلم والمعرفة، ونميت في اعماقنا قيم المحبة والخير والانتماء.

الاستاذ سید محفوظ، الذي أشغل مدرساً ومديراً في مدارس منطقة الزرگان، وقضى اربعة عقوداً في سلك التدريس، کان اهتمامه بتلامذته في خارج المدرسة کما في داخلها و کان یتفقد من یغیب عنه و من تنتهي دراسته المدرسیة کأب حنون وحين خرج للتقاعد استمر في العطاء وخدمة المجتمع و التواصل مع الأجیال المختلفة التي تربت علی یده و قد تسلقت اکثرها سلالم النجاح و المعرفة و التقدم.

عرفنا الفقيد معلماً هادئاً، متسامحاً، راضياً، قنوعاً، ملتزماً بانسانيته كما هو ملتزم بدينه وواجباته الدينية. حمل الامانة باخلاص، واعطى للحياة والناس جهده وخبرته وتجربته وحبه لهم. تمتع بخصال ومزايا حميدة جلها الايمان ودماثة الخلق وحسن المعشر وطيبة القلب، متميزاً بالدماثة، والتواضع الذي زاده احتراماً وتقديراً ومحبة في قلوب الناس والطلاب وكل من عرفه والتقى به. وهل هناك ثروة يبقيها الانسان بعد موته أكثر من محبة الناس…

أربعون عاما  امضاها في المدارس التي شرفها وتشرفت به، فكان رسول علم ومعرفة، وجدول عطاء وتضحية، ونعم المعلم والمدير والأب الحنون والأخ الودود  والصديق الصدوق. فكان قدوة ونموذجاً ومثلاً يحتذى في البساطة والوداعة والرقة والعطف والحنان وعمل الخير وسمو الاخلاق وطهارة النفس والروح ونقاء القلب والعفوية والتسامح. واعطى كل ما لديه  بلا حدود، ودون كلل أو ملل، في مهنة ورسالة هي من أصعب المهن، وأهم الرسالات، رسالة العلم والتربية، بكل ما تحمله في طياتها من المعاني، التي في صلبها بناء الانسان، وبناء الوطن، وبناء المجتمع.

لقد غيب الموت أستاذنا ومعلمنا الحبيب الغالي سید محفوظ، جسداً، لكنه سيبقى في قلوبنا ما بقينا على قيد هذه الحياة، ولن ننساه، وسيظل بأعماله ومآثره وسيرته نبراساً وقدوة لنا.

فإرغد یا سیدي مرتاح البال والضمير، فقد أديت الامانة وقمت بدورك على أحسن وجه، والرجال الصادقون أمثالك لا يموتون. وما لي في وقفة الوداع سوى هذين البيتين من الشعر قالهما شاعر النيل حافظ ابراهيم في رثاء صديقه ومجايله أمير الشعراء احمد شوقي:

                                                خلفت في الدنيا بياناً خالداً          وتركت أجيالاً من الأبناء

                                              وغداً سيذكرك الزمان لم يزل         للدهر انصاف وحسن جزاء

حمزة سلمان پور

#

اشتراک این خبر در :