بسم الله الرحمن الرحیم

 

السلام عليکم و رحمة الله و برکاته

 

منذ فترة و أنا أفكرفي الأدوات الجديدة التي قدمتها لنا الحداثة لتسهيل التواصل الإجتماعي ( أم لتعقيده؟). فقلت أن أطرح بعض الشيء حول هذا الموضوع  ، على أمل أن يعتني الاخوة و الاخوات  بما اقترح و يقدموا ما لديهم من نقد أو ملاحظات .

 

۱-  لم تدخل أدوات التواصل الإجتماعي إقليم ثقافتنا بتمهّل أو بإعلان مسبق. فإن الحداثة کما عهدناها قاسية في تصرفاتها ، تقتحم و تجتاح الأقاليم بکل شراسة ودون استئذان أو حتی إنذار ، ودون أن تکترث بالکوارث و الأزمات التي تتسببها للإنسان الذي تفرض عليه سلطانها فیتلقاها مُرغماًمبهوتاً و مأخوذاً علی أمره.

فلنرجع البصر فيما حدث في السنين الأخيرة حيث أتتنا الحداثة بشيء مذهل و عجيب … أتتنا بتقنية جديدة للتواصل الإجتماعي … فتلقاها الإنسان الشرقي وخاصة جيل الشباب کأداة للعب أو ربماللشحن العاطفي في بدایاتها و لکنها سرعان ما اکتسحت کل مناحي الحياة الفردية و الإجتماعية و نقلت امکانيات العلاقات الإجتماعية و وسائط الإعلام إلی آفاق غير معهودة.

۲-  أن یکون المتلقّي المستهلک لهذه التقنيات في بداية الأمر يجهل ما سیصيبه من صغار هذا الوافد الخطير فهذا مفهوم و معهود من أمر الحداثة و عصر التکنولوجية و لکن أن لا یتمعّن لاحقاً بآثارها في واقعه المُعاش وأن لا یُحاول التکيّف بشکل إيجابي و خلّاق معها ، فهذا لمقت عظيمٌ وجهلٌ مقيت.

نعم.إن الناس حين يألفون أية ظاهرة في حياتهم، لا يستطيعون أن یُمعنوا أنظارهم فيها و يتأملوا في أحنائها و دقائقها … ذلک لأن شدّة الحضور و الظهور يُعمي الأبصار ویشلّ الأفکار.لکن هذه الظاهرة ، وما تثير من إشکاليات و مخاطر ، لا تفلت من نظر المهتمّين بالشؤون الإجتماعية. وهذا ما حصل بالفعل، حيت اعتنت الجهات المتعددة ، المختلفة في أهدافها طبعا،    بهذه التقنية وتفطنت بعظم مفعولها و تأثیرها الذي لا يقل عن تأثیر القنوات الإعلامية الأخری کالفضائيات و مواقع النت.

و کل الطرق تنتهي إلی روما کما یقولون. فأصبحت الظاهرة بؤرة  للدراسات و الندوات التي أقيمت واحدة تلو الأخری في بلاد الغرب. أما الشرقيون فلم ینتبهوا إلی هذا الأمر الجلل إلا بعد أن أسقطت الشعوب ثلاثة أنظمة عربية بفضل هذه التقنيات إلی جانب سائر آليات التغيير.

لقد جاءت هذه الشبکات لتثبت أن ليس بمستطاع أية جهة أن تحتجز الأفکار و تحتجنها ولو تمنت ذلک.

 

۳-  والمثال القريب منا زمناً و مقاماً هو ما فعلته هذه التقنيات في الإنتخابات الأخيرة في إیران… حيث کانت شبکات التواصل الإجتماعي لها الدور الأعظم في الشحن و التعبئة الإنتخابية و في النتائج التي حصلت.

 

۴-  وبالنسبة لنا فقد طالت مرحلة الانبهار و الإنتعاش من الحصول علی هذه التقنية. فإن الأقرب منالاً من إستهلاک هذه التقنية هو أن نتسلی بها في حياتنا اليومية و نعکس يومياتنا مع شيئ من الترقيعات الفکرية أو الأدبية إلی جانب سیل من التداعبات و المشاحنات السياسية و العاطفية أو المجاملات.

و لست الآن بصدد نقد مجموعة بعينها من المجموعات، أو محتوی الرسائل التي تتطایر و تتناثر من هنا و هناک لتحطّ علی محطة الساحة الشخصية للفرد و تقتحم مجاله الذهني و العقلي… لست بهذا الصدد لأني أعرف حدّي و أعلم جيداً أن مجريات الأمور لن تتغير بکلمة مني أو بجرّة قلمي.

لکني رأيت من واجبي التنويه إلی بعض المسائل التي أحسبها جديرة بأن تکون مناطاً لتفکيرنا و حواراتنا. فإن من واجبنا في مثل هذه الأجواء أننبحث عن طرق التکيّف مع هذه الظاهرة بشکل إيجابي و خلاق و أن لا نُسلِس القياد للفوضی الفکرية و الثقافية. و ألخص القول في البنود الآتية داعياً الإخوة والأخوات أن نعتني بها و نجعلهامادة للحوار البناء.

الف) لا تقل ظاهرة انتشار تقنيات التواصل الإجتماعي دوراً و أهمية من سائر وسائط التنشئة الثقافية و الإجتماعية، فعلينا إذن أن نفکر فيها و في الطرق التي تمکننا من التحکم فيها بشکل فعال و خلاق.

ب) تقع مسئولية التفکير و الدراسة و التنظير في هذا المجال ، أولا و بالذات،  علی المهتمين بقضايا المجتمع و الثقافة و من يمضّهم العطش الفکري و التطلّع إلی الرقي و بث الوعي. فيبغي أن لا يألفوا هذه الأجواء دون فتح مغاليقها و تشخيص طرق التحکم فيها. لأن الألفة تقضي علی الفکر و الإبتکار.

ج) إضافة إلی ضرورة جعل هذه الظاهرة مادة للتفکير و الدراسة ، يمکن أن تتشکل مجموعات في صِيَغ مقبولة متماسکة واعدة ، لتکون نواة أو أمثلة للتکيف الخلاق مع هذه الظاهرة، و لتکونَ بؤرة الإشعاع و ضخّ الرؤی و الأفکار، أو جذوة تنتقل أقباسها إلی الأخريات من المجموعات و ينتقل منهجها و محتوياتها بسَرَيان تموّجيّ في المجتمع.

فاضل عبیات

اشتراک این خبر در :