كاتب لم أزره / مريم حيدري
هاشمي نجاد ینتمي فی الشعر إلى حركة ‘الشعر الآخر’ أو ‘الموجة الحديثة’، وهي الحركة التي أسسها في نهايات ستينات القرن الماضي أروع الشعراء الإيرانيين من أمثال بيجن إلهي، ويد الله رويائي وآخرون.
خيّل إليّ، وأنا آوي حزينة على خبر وفاته، أني أسير بين سطور روايته؛ كنت شيئا صغيرا يتحرك بين خطوطها إلى أن حلّ الصباح وكان ضوؤه يشبه ضوء الرواية. روايته التي هي أهمّ رواية بوليسية كتبت في إيران، وقد صدرت أول مرة في سبعينات القرن الماضي.
رواية تختلف عن كل الروايات البوليسية وغيرها، بلغتها الشفافة الشيقة الشاعرية التي يحار المرء وهو يقرأها متسائلا كيف قيّض لكاتبها أن ينسج بتلك اللغة والبراعة الإبداعية رواية بوليسية لها كل هذه الروح الإنسانية؟ تلك الرواية التي مازلت أتمنّى أن أستطيع الاقتراب من لغتها ذات يوم كي تتسنّى لي ترجمتها إلى العربية.
وليس قاسم هاشمي نجاد (۱۹۴۰-۲۰۱۶) هذا وحسب، وهو ليس المختلف الأنيق في كتابته السردية فقط، بل هو أيضا من قاد حركة فنية وأدبية كان يمكن تسميتها “العين المباغتة” فقد باغتنا في كل ما كتب من رواية وشعر ونقد أدبي وسينمائي وسيناريو وبحث وترجمة، وقلّما تجد كاتبا أو أديبا يتفق الكل على مكانته العليا ليسميه جميعهم بعد ذلك “الأستاذ”، وليكتبوا على مواقع التواصل الاجتماعي “رحل الأستاذ” كي يتركوني غير قادرة على التصديق، ذاهلة كما ذلك الفيل الذي يبحثون عنه في العتمة في روايته الأثيرة “فيل في الظلام”، وقد اقتبسه من حكاية في كتاب “المثنوي” لجلال الدين الرومي.
ینتمي هاشمي نجاد فی الشعر إلى حركة “الشعر الآخر” أو “الموجة الحديثة”، وهي الحركة التي أسّسها في نهايات ستينات القرن الماضي أروع الشعراء الإيرانيين من أمثال بيجن إلهي، ويد الله رويائي وآخرون في الشعر الفارسي المعاصر وتتميّز أعمال هؤلاء بنبرتها المختلفة عن تيار الشعر الفارسي الحديث المتعارف عليه بلغتهم التي احتوت صوفية ليس في نزوعها التعبيري وحسب، بل في النص والرؤية واللغة أيضا.
نصوصه النقدية منذ بدايتها أحدثت صدى واسعا في الوسط الأدبي في إيران بسبب تطرّقه الذكيّ والماهر إلى تقنيات القصة والرواية، كما أنه قام ببحوث مهمّة ودقيقة جدا في الموروث القصصي الصوفي، سواء في ما يخص جمع القصص الصوفية والحكايات الخاصة بالعرفانيين، أو النظرة الحديثة لبنية القصة الصوفية، ومكوّناتها. وقد ترجم كتبا لكل من تي. إس. إليوت وويلهلم رايش، وريموند تشاندلر، إلى جانب كثير من البحث والسبر في جذور السرد في الحكايات الفارسية القديمة.
كان دائما ثمة شيء ما يمنعني من زيارته رغم أنه كان صديقا لأقرب الناس إليّ، وساكنا في ركن الشارع الذي أسكنه. كان يسكن هناك قبل أن أعرف وقبل أن أسكن الشارع؛ مقيما في ملكوت صمته في عزلة لا يبلغ حضرتها إلا بضعة أصدقاء مقرّبين، ولم يكن جلّ الأصدقاء الكتّاب يعرفون مكانه، وكلما جرى الحديث عنه وأخبرت أحداً عن مكان بيته يقول لي “هيّا، إذن أنت تعرفينه، تعالي نزوره”.
أشياء ما كانت تمنعني، أو أمنع نفسي، كنت أفكر دائما أني إن نويت يوما ما زيارته لا بدّ لي أن أكون أكثر معرفة. شيء ما كان يجعلني أخشى لقاءه، ربّما لفرط ما كان يعرف ولشدة احترامي لعلمه وأعماله، ودون أن ألتقيه كنت أشعر بروحه الحاضرة في المكان، في شارع “بهار” وفي المدينة، وأرى نفسي ذرة صغيرة أمام تلك الروح، ذرة تريد أن تكبر قليلا لتلتقيه، غير أنها لا هي كبرت ولا هي التقته.
وليس محض صدفة حين أفتح “مواقف” النفّري -كعادتي في الالتجاء إلى الصوفي- ليقول لي شيئا يخفّف من وطأة خبر رحيله على قلبي، فإذا به يكشف لي “أقمْ في مقامك تشربْ من عين الحياة، فلا تموت في الدنيا ولا في الآخرة”.
بقلم: مريم الحيدري
نحتاج کثیراً لترجمة النصوص و روایات الکتاب من جمیع انحاء العالم فلک شکري وتقدیري یا مریم الحیدري.
اتمنی ان یستمر نشاطک الادبی انشاالله