“لوعة وليل ”

حـدث نـزاع مسـلح بیـن قبـیلـتیـن …
فسـقـطت إمـرأة الجـیران ضـحـیة دون ذنـب!!!
عنـدمـا رأی الــولـد أمـه و هـي قـتـیلة…
صــاح بـاکیــاً…

هـذا صـدر الـوالـده امّـزگـه الـرصـاص
هـایـه امـی الکـبـرتـنـا احـضـانـها

هـایـه کـعـبـه اتـفـض علـی الـوادم حـنـان
هـذا یـا مـوت الچـتـف ضـرعـانـها

امـی سـحـگـت ایـدمـن تـتـجـازه هـیـچ؟
و هـیـه چـانـت عـش مـحـنـه اغـصـانـها

یـمـا گـومـی الـچـیـلـه مـو ویـاچ اکـیـد
صـوچ تـفـگـتـهـم خـطـت نـیـشـانـها

یمـا اکیـداً جـاهـل و مـا فـرزنـاچ
و مـا درا الکـعبـه و هـدم جـدرانـها

انـتـی صـدرچ مـدرسـه ایـربـی الرضـیع
اشـلـون یزعـل من فـشـگ رضـعـانـها

یـما اذآن الفـجـر هـل شـد و اعـتـناچ
اشـتـاگ لـچـفـوفـچ جـلـد قـرآنـها

یمـا گومـی ویـای نـشـچـی من الزمـان
من ظـلم گـومـی و جهـل عـربانـها

یـمـا گـومـی ویای لـلـحـاکـم نـروح
الـیـا وکـت سـاکـت یـضـل وزّانـها

شـنهـی ذنـب الـوالـده ام گلب الحنیـن
تفرفر اگبالی و شـحـط بـمـچـانـها؟

یمـا دمـچ ذمّـه برگـاب الشـیـوخ
الیـهـتـز بـطـاری الـفـتـن فنـیانـها

یما ناس التـسـتـلذ بأچـل الحـرام
اتشــرع بوجـه البـطـل بیـبـانـها

تفـگـت التـکتـل بـری الشـایـلهـا عـار
و ذلـة شیـلـتهـا الـرمـت جیـرانـها

یـا حـسـافـه عـلـی الـعـرب شـیـمـتـهـا ویـن
خـل یـمـیـل عـلـی الـعـگـل مـیـزانـها

غـمـها دنـیـا الـخلّـت الـکدّش تـصـول
و نــزّعـت مـن الـسـبـوگ اعـنـانـهـا

عــادل الـصـخـراوی ✒️
▪️◾️◼️◾️▪️◾️◼️◾️▪️

تمهيد: عهدت الشاعر عادل الصخراوي شاعراً ملتزماً يحبّ الخير لأهله ووطنه، وفي کلّ فترة يطلّ بقصيدة رائعة يهدف من خلالها إلی اصلاح العادات والتقاليّد الخبيثة والظواهر الاجتماعيّة المتخلّفة التي عانی منها الشارع الأهوازي. والاشتباکات والرمي العشوائي المرعب من أبشع الظواهر التي ابتلی بها الشعب وراح ضحيتها الکثير من الأبرياء. فلا أودّ الخوض في أسباب ونتائج هذه الظاهرة لعدم اختصاصي لئلّا نخرج بنتائج غير علميّة. وما يعنيني في هذا المجال هو دراسة أسلوبيّة لهذه القصيدة من منظار سوسيولوجيّة الأدب فالثيمة الأساسيّة التي تتمحور عليها القصيدة هي ظاهرة اجتماعيّة.
سيميائيّة العنوان: إنّ العنوان علامة سيميائيّة للنص وله أهميّة قصوی في توجيه الغرض للمتلقي. والمبدع يستخدم غاية جهده وخلاصة ابداعه لاختيار العنوان الجيّد والمناسب. العنوان الذي اختاره الصخراوي لقصيدته “لوعة و ليل” ينطوي علی أبعاد دلاليّة ورمزيّة تشي بفکرة النص، فقد جعل الليل معادلاً للوعة والحزن والکآبة، لأنّ هذه الأحداث الجسام غالباً تحدث في الليل وتجلب معها الحزن واللوعة، ففي هذا السياق الليل هو اللوعة لاغير. الدلالات التي تحملها المفردتان تلامس بعض الذکريات المختزنة في أعماق العقل الباطن لدی الشاعر، والترکيز عليهما انعکاس لمدلولات تشکّل بعض الثوابت الراسخة في ذاکرة الشاعر وتجاربه الحياتية والشعورية المرّة والقاسية والحزينة المکبوتة في أعماق الذات.
والليل بظلامه وعتمته وغموضه من المستلزمات المطلوبة للقيام بمثل هذه الأفعال، وهو أفضل ظرف لممارسة هذا النوع من الاعتداء والتطاول بعيداً عن رقابة الآخرين وتدخّلهم.. الليل هو الاسرار والعتمة والاختفاء وهو الظلام الذي يخفي کل شيء وهو الغموض والکتمان والظنون. وفي هذه القصيدة الليل يشي بالقسوة والظلم والاستبداد، ومصدر للوعّة؛ والشاعر في هذه القصيدة يصوّر المشاعر والأفکار التي أثارتها في نفسه وحشة الليل.
التشکيل البصري: استخدم الشاعر الصور البصريّة لبيان أحاسيسه وما يكابد من آلام وخلجات نفسيّة. لم تکن هذه الأساليب اعتباطية بل لها إیحاءات عميقة تساهم في إثراء النص ودلالاته، ویقصد الشاعر منها تصویر الواقع المعاش بصورة مرئية تکون أکثر وقعاً في الإذهان.
أولّ صورة بصريّة تلفت انتباه القارئ هي استخدام المربعات السوداء بداية القصيدة ونهايتها، وهي أشکال تشي بالحزن العميق المحيط بأجواء النص، فاللون الأسود يدلّ بطبيعته علی المصائب والمآسي، والحداد والموت، وهذا ما أراد الشاعر أن يرسمه للمتلقّي من خلال هذه الأشکال.
وقد استخدم الشاعر في تقديمه (النص الموازي الخارجي) للقصيدة، علامات الترقيم بعنايّة ودقّة، والترقیم يطلق على العلامات والإشارات والنقوش التي تُوضَع في الكتابة وشأنها، شأن علامات المرور التي تُوضع لإرشاد السائق في الطریق. جاء في تقديمه:
حـدث نـزاع مسـلح بیـن قبـیلـتیـن …
فسـقـطت إمـرأة الجـیران ضـحـیة دون ذنـب!!!
عنـدمـا رأی الــولـد أمـه و هـي قـتـیلة…
صــاح بـاکیــاً…
استخدم الشاعر هذه العلامات في نصه ببراعة ومهارة، ولأغراض فنية وجمالية ومقصدية. فالتنقيط (…) في الشطر الأول والثالث والرابع جاء بعد وصف الشاعر لمواقف وأحداث محرجة لا يقوي بعدها علی استطراد الکلام (الموقف الأول: نزاع مسلح بين قبلتين – الموقف الثاني: قتل امرأة الجيران البريئة – الموقف الثالث: صراخ الولد علی أمه)، فقد أودع الشاعر بين هذه النقاط آلامه ولواعجه وأحزانه بصمت. فقد اختار عادل الصمت والسكوت لما في نفسه من اليأس والحزن والحيرة.
وقد استخدم في الشطر الثاني علامة التعجب ثلاث مرّات (!!!) لإثارة الانفعال والدهشة، ولعل السبب في ذلک يعود إلی استغراب الشاعر من ثلاث قضايا مثيرة في الموقف فأولاً المقتولة امرأة (!)، ثانياً امرأة الجيران (!)، ثالثاً دون ذنبٍ (!)؛ فهذه القضايا الثلاث تثير غيرة المتلقي وتحمّسه واستغرابه وبالتالي استنکراه لهذه الجرائم.
البناء السردي: السرد طريقة للقص يستخدمها الشاعر أو السارد لبناء نصه ويعيد ترتيب الأحداث بطريقة تتوخّی الجمال الفني. للسرد دور هامّ في بناء النص وخلق دفقات شعورية، وثيمات دلاليّة تجعل النص في حالة متحرّکة. أخذ الشاعر في ههذ القصيدة بسرد الحدث، وقد رکّز علی التفاصيل بالرغم من صعوبتها ومضاضتها، ليکشف عن مدی الظلم والجهل في المجتمع، فيقول متماهياً مع صوت الولد:
یمـا گومـی ویـای نـشـچـی من الزمـان
من ظـلم گـومـی و جهـل عـربانـها
وقد اعتنی الشاعر بالتفصيلات المثيرة والحيّة في الأحداث، معتمداً علی لغة تفصيليّة وصفيّة، يبرز فيها التجسيد (هـذا صـدر الـوالـده امّـزگـه الـرصـاص).
أما عنصر الزمان في السرد فهو زمن التجارب والانفعالات، وزمن الحالة الشعورية التي تلازم المبدع؛ ويبدو لنا الزمان في هذه القصيدة واضحاً جليّاً من العنوان، فالليل هو الظرف الزمني للأحداث، ويستمرّ أحياناً حتی مطلع الفجر:
یـما اذآن الفـجـر هـل شـد و اعـتـناچ
اشـتـاگ لـچـفـوفـچ جـلـد قـرآنـها
وتعدّد الشخصيات في القصيدة يعبّر عن أبعاد شعوريّة وفکريّة متصارعة، وترمز إلی أفکار الشاعر ورؤاه، وتمدّ السرد بزخمٍ دلالي من خلال عرضها لتجارب جديدة. فهناک شخصيّة الولد ابن المرأة المقتولة وهي شخصيّة ناميّة متحرکة تلازم السرد. وهناک الشخصيّة الثابتة أو المسطّحة، وهي شخصيّة سلبيّة لا حراک فيها، وقد ظهرت هذه الشخصيّة في موضعين من القصيدة، أولاً شخصيّة الحاکم التي وصفها الشاعر بالساکتة:
یـمـا گـومـی ویای لـلـحـاکـم نـروح
الـیـا وکـت سـاکـت یـضـل وزّانـها
وثانيّاً شخصيّة الشيوخ حيث أقصی حرکتهم حرکة فنجان القهوة وقت الفتن:
یمـا دمـچ ذمّـه برگـاب الشـیـوخ
الیـهـتـز بـطـاری الـفـتـن فنـیانـها

أسلوب الإستفهام: يأتي الشاعر بأسئلة متتالية في القصيدة لأنّه يريد تقرير المخاطب واعترافه بما يوجد من فوضى وضيق واستهتار:
امـی سـحـگـت ایـدمـن تـتـجـازه هـیـچ؟
وبما أنّ الخطاب صادر عن طفل صغير فنجد في هذا التعبير عفويّة الصورة وسهولة المفردات. وتقديم مفردة “أمي” في هذا السياق تبعث الحزن والشفة لدی المتلقي، والتلذّذ والإستئناس لدی الطفل المفجوع.
شـنهـی ذنـب الـوالـده ام گلب الحنیـن
تفرفر اگبالی و شـحـط بـمـچـانـها؟
استخدام الشاعر للإستفهام تجعلنا نعيش في صراع متناغم مع نفسية الشاعر المتسائلة الحائرة التي تحاول التخلّص من هذا المأزق، والقلق والتوتر.
أسلوب التکرار: التکرار أضفی جمالاً فنيّاً وثراءاً دلاليّاً وإيقاعاً ترنمياً في هذه القصيدة وقد أخرجها من السطحية إلی الظرافة والبراعة الفنيّة. استخدم الشاعر تعبير “يمّا” بصورة هندسيّة (استفتاحيّة وعموديّة) في سبعة أبيات کي يعمّق في نفوسنا معاني الأسی والحزن العميق ويدلّ علی الحب والتعلّق والتلاصق الشديد بين الطفل وأمّه. وقد جا التعبير بصيغة النداء لتحقيق هذا النوع من التواصل بين الطرفين؛ وللکشف عن عظمة المنادی ومکانته في القلب.

اشتراک این خبر در :