﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلىَ المَلائِكةَ﴾
يتّضـح لنـا مـن الآيـة الكـريمـة بـأنّ المسميـات والأسمـاء كـانت قبـل أن يبتـداء الله الخلـق والأكوان و بعـدمـا بسـط الأرض و وضعهـا لـلأنـام .ومـن هـذا المنطلـق وكـذلـك نظـراً لأهميّـة الأسمـاء والمسمّيـات ، فـأول مـا تـلقّـاه آدم عليـه السـلام هـو أنـه تعلّـم الأسمـاء مـن حيـث الهمـه الله بهـا.ليـس مهمّـاٌ لنـا فـي هـذا البحـث أن نعـرف مـاذا كـانـت الأسمـاء ومـا هـي المسميّـات المقصـودة فـي الآيـة الكـريمـة وكيـف علّمهـا الله لأبينـا آدم عليـه السـلام ، الـذي يهمّنـا هـو أهميـة الأسـم وضـرورة وجـوده فـي كـل الأكـوان والكـواكـب والمجـراة والسمـوات و الأشيـاء والمخلـوقـات ومـن ضمنهـا 

المـدن والأمـاكـن التـي ننتمـي إلـى تـربـتها جـذوراً وعشقـاً وشـوقـاً ولهفـة إن بعـدنـا عنهـا ويصـل الأمـر أحيـانـاً أن نتسمّـى بهـا وتصبـح جـزءاً مـن أسمائنـا أو كنيتنـا…. كـأبـن السكيـت الـدورقـي أو أبـونـؤاس الأهـوازي ، ومـا شـابـه ذلـك.ستجـد كـل اسـم مـن هـذه المـدن يحمـل حكـايـة ودلائل ويختـزن بطيـاتـه رمـوزاً وحضـارة و بعـض المعلـومـات التـى تفيـد علمـاء الآثـار والمهتميـن بعلـم الأجتمـاع و البـاحثيـن عـن اسـرار الحضـارات فـي القـرون الخـاليـة أو علمـاء اللغـة التـي يبحثـون عـن شـيء يـدلهـم عـن ضيعتهـم حيـث يستـدلـون بـالـرمـوز والمعـالـم والآثـار والتسميـات لـلأمـاكـن والمعـالـم.

كـانـت مقـدمـة حتّـى أدخـل مـن خـلالهـا إلـى صلـب المـوضـوع الـذي يختـصّ بتـسميـة المـدن والمعـالـم الطبيعيـة كـالجبـال والأنهـار أو المعـالـم المحـدثـة مثـل الجسـور أو الصـروح .كيـف تمّـت هـذه التسميـات ومـاذا تعنـي الأسمـاء للبـاحـث والمستكشـف عـن حقيقـة تـاريـخ الأمـم.؟ومـاهـي الأضـرار النـاتجـة عنـد تغييـرهـا ؟وأهميـة المحـافظـة علـی الأسمـاء التـي ورثتهـا مـدننـا ومـاذا علينـا فعلـه ؟لكـل شعـب لغـة تختـص بـهم دون غيـرهـم وهـذه اللغـة قـد تـمّ تـداولهـا عبـر السنيـن والعصـور والقـرون واستلمّـتهـا الأجيـال بعـد الأجيـال وكـانـت العـامـل الأسـاسـي الـذي تـمّت تسميـة الشعـوب والأمـم متـأثـرة بهـا.فمثـلاً العـرب لغتهـم عـربيـة و الأتـراك لغتهـم تـركبـة والفـرنسييـن يتكلمـون الفـرنسيـة وهكـذا بقيـة الشعـوب والأمـم إلا مـا نـدر منهـا حيـث تتـأثـر بلغـة بـاقـي الشعـوب المستعمـرة وتـذوب خـلال العصـور وتصبـح نسيـاً منسيّـا.بعـدمـا علمنـا بـأهميـة الإسمـاء بصـورة عـامّـة سـوف نـركّـز علـى المـدن بشكـل خـاص لأنّهـا مـوضـوع بحثنـا هنـا .

أنـا أری التـراث و التـاریـخ غیـر الـذي یتصـوره البعـض حیـث یختصـر بـالآثـار المـادیـة أو الأبنیـة التـي نتعـرف علیهـا و نعتـز بهـا و نحـاول أن نجعلهـا رمـوزاً و نحـافـظ علیهـا ، إنّ التـراث عنـدي أرث حضـاري و ثـروة ثقـافیـة و کـدح و عمـل الأجـداد و الأبـاء و مـا مـروا بتجـربـة شـاملـة فـي کـل المیـادیـن و المحطـات التـي تستـوجـب علینـا التـوقـف عنـدهـا ، حیـث تستخلـص فیهـا رحلـة المـاضـي و جـذوره نحـو الحـاضـر و المستقبـل ، فمـن لا تـاریـخ لـه لا مستقبـل لـه .

و مـن أجـل هـذا نکـون اکثـر وعیـاً حیـث لا شــكّ أن مـا نستلهمـه مـن مسیـرة تـاریخنـا و تـراثنـا والمحـافظـة علـی مـاضینـا مـن کـل الشـوائـب هـو الشـاهـد و الـدلیـل الأقـوی و الأبهـی الـذي یکشـف لنـا الکثیـر مـن القضـایـا التـي تمّـت محـاولـة تـزیفهـا و التبـاسهـا .بـالطبـع تتـم تسميـة المـدن متـأثـرة بلغـة وثقـافـة أهلهـا الـذيـن سكنـوهـا واتخـذوهـا مهـداً ومـوطنـاً حيـث تتكـون اجسـامهـم مـن ذرات تـرابهـا.

فمـن الطبيعـي نجـد لكـل إسـمٍ حـدثٍ واشخـاص ومـؤثـرات قـد ذكـرت فـي التـواريـخ أو تنـاقلـت عبـر الألسـن وربّمـا أضـافـوا لبعضهـا جـوانبـاً حتّـى أصبحـت تشبـه الأسطـورة ولا تتقبّـل المسمّيـات إلا مـن اهلهـا وإن وقـع عليهـا أسـم ليـس مـن جنسهـا سـوف تـرفضـه بشـدة وكـأنـها الجسـم عنـدمـا ينقطـع أو يتلـف منـه عضـواً ويحتـاج لـزراعتـه ،يتـمّ الفحـص والتـدقيـق مـن حيـث الحمض النـووي والنسيج الذري للخـلايا ويجـب أن يتطـابـق الجـزء مـع الكـل وبعـدهـا تتـم الـزراعـة وإن حصـل خطـأ عنـد فحـص الأنسجـة وتـم زرع مـا لـم يتطـابـق مـع الجسـم سيـرفضـه بشـدة وتفشـل عمليـة الـزراعـة ، كـذلـك المـدن التـي تتـم تسميتهـا زوراً وبهتـانـاً وتـزيفـاً فقـد،أثبـت التـاريـخ أنـه قـد تـمّ رفـض هـذه التسميـة بشـدة لأنّـه لا يتطـابـق مـع ثقـافـة أهلهـا ولا تعنـي لهـم التسميـة معنـاً ولا يتنـاسـب نطـقها مـع مفـردات لغتهـم ، فلهـذا ستفشـل كـل المحـاولات لتثبيـت هـذا العنـوان الغـريـب واكثـر مـا يشبـه هـذا الأسـم محـاولـة مـن يـريـد خلـط الـزيـت بـالمـاء ،فـإن طال الأمـد لبقـاء هـذا الإسـم التـدخيـل تحـت سيـاط الأستبـداد والهيمنـة فـلابـدّ مـن يـومٍ تعـود التسميـة لجـذورهـا وهـذه أقـل الحقـوق التـي علـى الإنسـان أن يحصـل عليهـا.

أن الشعـوب التـي تـریـد أن تحیـی و لا تنـدثـر هـي التـي لهـا مسمّـیً في ذاكـرة التـاریـخ ، وکـل ما یحتـویـه التـراث هـو روح الأمّـة وسـرّ بقـائهـا الـتي لا تقبـل التشكيـك فـي وجـودهـا.

لـذلـك فـإن الغـزو والحـروب التـي تقـع بیـن الأمـم ذات الحضـارات سـابقـا لا تقتصـر فقـط علـى القتـل والحـرق واحتـلال الأرض، إنّمـا تقـوم بتـدمیـر ذاكـرة الشعـوب عبـر التـزويـر والتغییـر لکـل المعـالم التـي تـذکـر الأجیـال بحقّـانیـة هـذا السعـب بـأرضـه فتقـوم بتحـریف الحقـائـق وطمسهـا، والشـواهـد علـى ذلـك أكـثر مـن أن تحصـى، سـواء فـي التـاريـخ القـديم أو الحـديـث والمعـاصـر.

تتعـامـل القـوة المنتصـرة عنـد هيمنتهـا علـى الشعـوب المغلـوبـة علـى أمـرهـا بلغـة الاستعبـاد وتحـاول أن تنتصـر ثقـافيـاً بعـد الفـوز بسـاحـة القتـال ، لأن الغلبـة فـي ميـاديـن الحـرب لا تعنـي النصـر أبـداً ويعتبـروهـا القـادة العسكـرييـن بمنـزلـة تمهيـد الطـريـق لمـرور الـرتـل والحشـد الخطيـر الـذي يعتبـر فشلـه إنكسـاراً وهـزيمـة لكـل مـا فعلـوه وإن انتصـر وقضـى علـى عـدوه فهنـا يحتفـل المهـاجميـن والغـزاة بعيـد النصـر ، فـلابـدّ أن ينتصـر هـذا الحشـد الـذي يتعقّـب الحشـود العسكـريـة ويستهـد ثقـافـة الشعـوب بكـل مـا تعنيـه مفـردة الثقـافـة مـن معنـى حيـث تشمـل اللغـة والأزيـاء والطقـوس والتـاريـخ والمسميـات مـن المـدن وحتّـى الأسمـاء وأحيـانـا تشمـل الأديـان والكتـب والـرمـوز والأعـلام و… ليحسـم الأمـر النهـائـي ويتعيّـن مـن خـلالهـا بـأنّـه هـل يتـم النصـر أم سيهـزم المعتـدي الغـاصـب.

لننظـر مـاذا حصـل مـن انتهـاكـات فـي زمـن رضـا بهلـوي بعـدمـا تـولـي الحكـم فـي ايـران عبـر انقـلاب عسكـري علـى احمـد شـاه القـاجـار فقـد قـام بتسـويـة شـاملـة لبعـض الأقـاليـم التـي كـانـت تتمتـع بحكـم ذاتـي واقتصـاد مستقـل والـذي يهمنـا هنـا أن نمـر سـريعـاً عمـا حصـل فـي الأهـواز …

أولاً قـام بكشـف الحجـاب العـربـي الإسـلامـي للنسـاء فـي الأسـواق والطـرقـات وهتـك الستـور والحـرمـات ، وكـذلـك ارغـام الـرجـال بخلـع الغتـرة والعقـال العربـي و استبـدالـه بطـربـوش أو قبعـة ،فهـي ليسـت مـوروثهـم ولا تعنـي لهـم بشـيء !!

ولـم يتـوقـف عنـد هـذه الانتهـاكـات إنمـا قـام بتغييـر اسمـاء المـدن مـن اسمـاء عـربيـة ومـوروثـة اجتمـاعيـاً تحمـل عبـق المـاضـي العـريـق وتجسّـد لسـامعهـا ثقـافـة الأجـداد وتـرسـم البطـولات والانتصـارات التـي تحقّـقـت علـى ظهـورهـا ، إلـى اسمـاءٍ غـريبـة لا تصلهـا مـع أهلهـا صلـة أدبیـة ولا لغـة ولا معنـاً ولا ثقـافـةً …
لا يختلـف اثنيـن فـي صـدق مـاذكـرت مـن وقـائـع ولا يختلفـون فـي رأيهـم بـأن مـا فعلـه رضـا شـاه البهلـوي هـو انتهـاك وجـريمـة بحـق الإنسـانيـة واعتـداء بحـق شعـب کـان آنـذاك مغلـوب علـى امـره وكـانـت محـاولـة مستبـدة دكتـاتـوريـة بـالقضـاء علـى ثقـافتهـم والسعـي لإنـدثـار ودحـر كـل المـواريـث المتعلقـة بـالشعـب العـربـي الأهـوازي وقـد استخـدم انـواع القمـع والبطـش لمحـو تـراث هـذه الأرض و اسقـاط معـالمهـا فـي زوايـا التهميـش والنسيـان..

ولكـن كمـا ذكـرت فـي بـدايـة المقـال فـإن المـدن و تسميتهـا كمثـل أنسجـة الجسـم ، تـرفـض بشـدة كـل مـن حـاول أن يلصـق بهـا عضـواً غـريباً إلا أن يتطـابـق ويتنـاسـب معهـا فـي كـل الصفـات.

وبعـد أن ولّـى عصـر الأستبـداد البهلـوي و شـارك العـرب فـي الأهـواز بقیـة الإیـرانییـن فـي الثـورة علـی حکـومـة الشـاه البهلـوي مـازال الشعـب العـربـي الأهـوازي یتطلّـع إلـی إعـادة مـا قـد نهـب مـن تـراثهـم وإحقـاق الحـق فـي هـذا المجـال فـي ظـل الـدستـور و النظـام الأسـلامـي الحـاکـم و نـأمـل مـن منـدوبیـن الشعـب أن یـوصلـوا صـوت شعبـهم المبحـوح إلـی مـن یهمـه الشـأن و الأمــر.
بقلـــــمـ:
احمـــ العتیقـي ـــد

اشتراک این خبر در :