التفاعل والحراك الفكري والثقافي الذي يجري ويتدفّق في شرايين مجتمع ما ، هو خير دليل وترجمان لحيوية ذلك المجتمع. وكلما كان ذلك التفاعل والحراك محتدما ومتنوعا و واسعا ، تكون النتيجة وهي رواج الحيوية والوعي والرقي ، اوسع وابلغ ، لتشمل كل أطياف وطبقات المجتمع.

وبطبيعة الحال ، خلق و إيجاد هذا التفاعل والحراك ، يقع بالدرجة الأولى على عاتق المثقفين ( إن كان هناك مثقف بالمعنى الحقيقي للكلمة) والنخب والمتعلمين ومن ثم باقي الأفراد.
وذلك من خلال العمل التنظيمي والمؤسساتي المكلّل بالبرمجة والتخطيط والمنهجية والعقلانية.
فمن هذا المنطلق إذا نظرنا إلى واقع مجتمعنا المؤسف و التمسنا فيه ذلك التفاعل والنشاط المنشودين، لوجدناه مفقودا او شبه مفقود. ويحلّ محلّه تفاعل من نوع آخر ليس مرغوبا و مرحّبا به، يصول ويجول ويمرح في الساحة.
نعم نسمع و نشهد بين الحين والآخر إقامة عمل ومبادرة من قِبَل مؤسسة أو مجموعة بشكل محدود وخاطف، ولكن اين هذا من عطش الساحة المتزايد لتدفّق مَعين المعرفة والوعي ، وتلهّف المجتمع المفرط للتنمية والازدهار في كل المجالات والمستويات. بل كل ما نراه هو انعدام وافتقار لهكذا حيوية وفاعلية في مجتمع تعجّ بداخله طاقات إنسانية و مادية وتتلاطم فيه قدرات و مواهب و مؤهلات، تكفيه للنهوض والسير نحو مكانته الحقيقيّة المفقودة التي عليه بلوغها.

مجتمعنا الأهوازي غنيّ وفقير في آن واحد. غنيّ بطاقات انسانية و معنوية من جهة و فقير إلى إرادته وعمله من جهة أخرى.
مجتمعنا يفتقر إلى عمليْة تنمويّة في كثير من مجالاته وأبعاده. يفتقر إلى عمل تنظيمي ومؤسساتي و جماعي بشكل واسع ومتنوع ومتزايد.
مجتمعنا لايعاني عدم أو قلّة وجود نخب، بل يعاني غيابهم عن الساحة وركودهم وجمودهم.

مجتمعنا الأهوازي يعاني نخبة تحمل في شخصيتها صفتين متناقضتين في معظم الأحيان، إذ هى حاضرة في الساحة وغائبة عنها في آنٍ واحد. حاضرة بجسمها ومخزونها الهائل و غائبة بالارادة والعزيمة والعمل والتأثير. لذا نراها كالعادة نخبة مفتعلة وليست فاعلة.
نخبة كثيرة وقليلة في آن واحد، كثيرة ومزدحمة في ميادين الشعار والتمنّي والانتقاد والجلد من جانب، وقليلة وشحيحة في ميادين الفعل والإقدام والتنفيذ من جانب آخر.

مجتمعنا الأهوازي يفتقر إلى مثقّف رسالي وعصامي ومسؤول، يمتلك عزيمة وإرادة و نيّة خالصة وصادقة ، يخطو لخدمة شعبه ومجتمعه ويطمح إلى التقدم والازدهار بروح الامل والمكابرة والمثابرة التي لاتعرف لليأس محلّا ولا للقنوط موضعا في مسيرته الى ما يهدف.
ولكنّه مبتلى بأناس لايخطون خطوة في سبيله وخدمته الّا وتقاضوا منه الأجور والمكاسب والمناصب. لا يحركون قدما لصالحه الّا وقدّموا مصالحهم الدانية على مصلحته التي هي مصلحتهم اولا وآخرا.
إذاً كيف لنا أن نرجو لمجتمعنا الحيوية والفاعيلة والحراك الايجابي الذي لابدّ منه ، وهو يفتقر إلى أهل يؤثرون على أنفسهم مصلحته ومصيره ومستقبله؟؟
كيف يجوز لنا أن نجلده جلدا مبّرحا وبكل قسوة وهو يعاني شُحّا في أهلٍ يعرفونه حق المعرفة اولا ، ويؤمنون به وبمجده ثانيا ، ويعملون على خروجه من سقمه وتخلفه ثالثا؟؟
نعم العمل ، العمل على صناعة الفكر والمعرفة والثقافة ، العمل على ترسيخ الوعي وبسطه في كل مناحي المجتمع ، العمل على غرس الثقة وإنمائها هو ضرورة ماسة وملحّة تطرق أبواب النخب والمتعلمين منذ الأمس البعيد وحتى يومنا هذا.

وفي الأخير، متى ما رأينا النخب والمتعلمين خلّصوا انفسهم من الصفات المتناقضة التي تعتري شخصيّاتهم اولاً ، وخرجوا من ساحات التمنّي وأبراج الشعارات ودخلوا ساحات العمل والفعل والإقدام ثانيا ، وانتهجوا العمل التنظيمي والمؤسساتي والجماعي المكثّف ثالثا ، عندذلك وبكل تأكيد يفيق مجتمعنا من سُباته وينهض ويتحرك شيئا فشيئا نحو ما يطمح ، ويبلغ مكانته العليا التي تليق به وهو أهل لها.

✍ عبدالله أبوبتول الساري

اشتراک این خبر در :