أنّ لکـلِّ مجتمـع قـالبـهُ و تطـریـزهُ الخـاص حیـث یختلـف فـي کثیـر مـن الأمـور عـن المجتمـع الثـاني. و هــذا الأختــلاف یــأتــي ضمــن أسبــاب و علــل قــومیــة و أجتمــاعیــة و تــاریخیــة و حتـّــی جغــرافیــة و حســب البیئــة و المنــاخ یتــأثــر المجتمــع ببعــض سلــوکــه و تــرکیبتـه و عــادتــه و ثقــافتــه. المجتمــع العــربــي کــذلــك بحــد ذاتــه یختلــف مــن مکـان إلــی مکـان آخــر و نجــد سکــان البــوادي لهــم عــاداتهــم و تقــالیــدهــم التـي تختلــف کلیّـاً أو بعـض الشــيء عــن سکــان المــدن و ألحضــر کمــا یعبّــر عنهــم علمـاء الأجتمـاع . الشعـب العــربـي الأهـوازي الــذي أحتفـظ بقـومیتــه و هـویتـه ( اللبــاس و اللغـة و العـادات و التقـالیـد و الأعیـاد و الأحـزان و..) رغــم التهمیــش مــن بعـض المتطــرفیـن أمثـال رضــا شـاه المقبـور و غیــره الـذي أتخـذ سیـاسـة التفـریـس بحـق الأقلیـات مـن الشعـب الأیـرانـي و بـالطبـع لـم یکـن سهــلاً الأحتفـاظ بهـذه الهـویـة و لکــن ببســالـة و تضحیـة أستطـاعـوا الآبـاء و الأجـداد أن یــوصــلوا لنـا تقـالیـدهـم مـن دون نقـص و زیـادة ، أو ربمـا حصلـت بعـض التغییـرات علـی مـدی العصـور تــأثـراً بـالقفــزة التکنـولـوجیـة التـي شهــدهـا العـالـم فـي بـدایـة القـرنیـن المـاضییـن و إلـی یـومنـا هـذا .

تختلـف وجهـات النظــر و تتضــارب الآراء علــی القبیلــة ،فـالبعـض یعتقـد بعـدم تغییـر هــذه التطـریـزة القبلیـة القـدیمـة و الأبقــاء علــی مــاهــي علیــه و البعـض الآخــر یـری مـن الضـروري التمـاشـي مـع هـذا التطـوّر و نظـراً لبعـض الظـروف المعیشیـة و التکـاثـر المستمـر یـومیـاً للشعـوب فعلیــه أن یتــم التغیــر الــذاتــي و سلــب بعـض الأختیـارات نــاهیــك کــانــت إیجــابیــة أم سلبیــة .فمثـلاً قبـل أقـل مـن قـرن لایـزیـد عـدد المشـارکیـن فـي المـآتـم علـی الف(۱۰۰۰) شخـص بینمـا نـری الآن ربمـا یصـل العـدد لعشـرات الآف شخـص یشـارکـون فـي المـآتم خصـوصـاً لـو کـان المـأتـم یختـص بـأحـد الـزعمـاء أو وجهـاء القبـائـل و هــذا بحــد ذاتــه أن یکــون أختــلافــاً جــذریــاً فمنهــم مــن یــری عــدم إعــداد الـولائــم فــي المــآتــم و منهــم مــن یــراه ظــاهــرة تعکـس آداب و کــرم العـرب و کــأنّ المـآتــم حلبــة أستعــراض لهــذه الظــاهــر !!

بـلاشـك کـلّ إنسـان یعـتزّ و ینجـذب لاإراديـاَ إلـی فصیلـة دمـه و بنـي عـرقـه وقبیلتـه و أبنـآء عمـومتـه و هـذه غـریـزة ذاتیـة لیسـت عنــد العـرب فحسـب ، أنمـا تـوجـد عنـد کـل مجتمـع بشـري ولکـن العـرب متمیّـزون بعـض الشـيء عـن بـاقـي الشعـوب، حیـث نجـد عنــد بقیـة الشعـوب ینحـاز المـرء لأخـوتـه مـن أبــویـه أو أبنـاء العمـومـة فحسـب ، ولکــن نجـد العـربـي ینجـذب إلـی حیـث جـذوره و کـلّ مـن ینتمـي إلـی تلــك الجـذور أو ما یسمّـی بـالقبیلــة. مـن المحبـط أن ننظـر إلـی الکیـان القبلــي والقبیلـة بنظـرة سلبیـة و معـادیـة فقـط و نغـضّ الطــرف عـن الکتلـة الهـائلـة مـن الأیجـابیـات فـي کیـانهـا و تطـریـزهـا .

بحکــم تعــایشنــا داخــل النظــام القبلــي أغلبنــا إن لـم نکـن کلنـا شـاهـدنـا أو سمعنـا عـن بعـض المنـاوشـات بیـن قبیلـة مـع قبیلـة أخـری و هنـا یـأتـي دور زعمـاء القبـائـل و المشـایـخ حیـث یـدارون و یمنعـون مـن تـوسـع هـذا العـداء و لـو أخـذ مسیـره فـي المحـاکـم الحکـومیـة لضـاعـت حقـوق و سجـن ابـریـاء ولکـن لهـذه المجتمعـات قـانـونهـا الخـاص الـذي ینتهـي بـالصـلح و إحقـاق الحـق فـي أکثـر الأوقـات و لا أنکـر بعـض الـزعمـاء و المشـایـخ الـذیـن یتبعـون أهـواء عصبیتهـم القبلیـة ینحـازوا نحـو الأدنـی منهـم و هـذه لیسـت مـن سلبیـات القبیلـة إنمـا مـن وجـود مـن هـم لیـسوا أهـلاً للـزعـامـة کـالقـاضـي المـرتشـي الـذي یضیـع الحـق فـي بعـض الأمـور حیـث لـم یکـن العیـب فـي القـانـون إنمـا العیـب فــي مـن یجـري القـانـون تـابعـاً لهـواه.

و هنـا یتضـح لنـا أنّ القبیلـة شـأنهـا کشـأن أي إدارة تنفیـذیـة تحمـل فـي کیـانهـا الطـابـع السلبـي و الإیجـابـي و علـی القشـر المثقـف أن یـردع السلبیـات بحنکتـه و تـوعیتـه لبـاقـي أفـراد الشعـب و هـي وظیفتکـم الیـوم أیّهـا الملتـزمـون. لكن لایجـب أن نـری السلبیـات لهـذا البنـاء العـریـق فحسـب ،فمثـلاً تـوجـد ظـاهـرة القیـم الأخـلاقیـة التـي یمتـازون بهـا العـرب حیـث یفخـرون بـأمجـادهـم و أسـلافهـم الـذیـن کـان لهـم الـدور الـرائـد فـي الکـرم و الشجـاعـة و الحمیـة و النخـوة و أحتـرام الجـار و أحتـرام المـرأة و عــدم التعـرض لهـا حتّـی و إن دخلـت المعـرکـة و غیـرهـا مـن الخصـال الحمیـدة ، فهـذه الظـاهـرة تحـثُّ بقیـة أفـراد المجتمـع أن یحـافظـوا علیهـا خـوفـاً مـن العـار و السمعـة الـردیئـة لأنّ المـرء یـری نفسـه مجبـراً علـی الأبتعـاد عـن الــرذیلــة لأنــه یعـرف تمـامـاً إن الــذم لـم یشملـه هـو فحسـب إنمـا یشمـل عـائلتـه و أمجـاد أسـلافـه و القبیلـة التـي ینتمـي لهـا و بـالنهـایـة تجبـره هـذه الأمـور مـن أرتکـاب بعـض الـرذائـل خـوفـاً مـن العـار ، و لکـن مـع الأسـف صـرنـا نبتعـد قلیـلاً عـن هـذا الطـابـع الإیجـابـي و ذلــك بسبـب بعـض الأختـلاط مـع سـائـر الأقـوام صـار البعـض لایعیـر أهتمـامـاً لهـذه الخصلـة الحمیـدة فـي المجتمـع القبلـي و هنـا علینـا أن نـرفـع شعـار أحیـاء هـذه الظـواهـر الأخـلاقیـة التـي صـارت مـن الخفـایـا بعـض الشـيء و لیـس نکتفـي بـرفـع شعـار محـاربـة القبیلـة و القبلیـة .

مـن هـذا المنطلـق وبعـد هـذه الـدراسـة المـوجـزة فهمنـا بـأننـا لایمکـن أن نعیـش إلا کقبیلـة و لیـس مـن السهـل أن نتخلّـی عـن هـذا البنـاء و التطـریـز العـریـق الـذي شهـد بـوجـوده القـرآن الحکیـم :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.)

إذن رسـالتنـا کملتـزمـون علینـا أن نکـافـح لتثقیـف القبیلـة و لـیس لمحـاربتهـا، إن حسبنـا أنفسنـا القشـر المثقّـف و لبسنـا حلیـة الثقـافـة بـدرایـة وعلــم و تقبـلنـا وظـائفهـا و مـا تحمـل الکلمـة مـن معنـی، سیصبـح بمیسـورنا ،أن نبـثَّ الخیـر و نحیــي الإیجـابیـات التـي بـاتـت ضئیلـة و نبعـد کـل الشـوائـب و السلبیـات عـن عـائلتنــا أولاً وبعـدهـا عـن قبیلتنـا و مـن ثـمّ عـن مجتمعنـا و أن لا نخـاف لـومـة لائـم، لأنّ بـالتأکیـد لکـلّ تغیــر فـي بـدایتـه علیـه أن یـواجـه بعـض العـراقیـل و لکـن بالصمـود و الأمـل سنصـل إلـی مبتغـانـا بـإذن الله.

 

#

اشتراک این خبر در :