الجهــل أسبـابـه وآثـاره – احمد العتيقى
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ .الجهل هذا الـداء المـزمـن بـالبشـريـة حيـث لـم تشفـى منـه اطـلاقـاً فـي أي بـرهـة مـن العصـور ، فهـو العـدو الفـاتـك بـالمجتمـع ولهـذا كـان المهمّـة الأولـى لـرسـائـل كـلّ الأنبيـاء فـإنّهـم بُعثـوا ليقضـوا علـى هـذه الظـاهـرة المـذمـومـة.
*لنتعـرف علـى الجهـل وعلـى آثـاره الاجتمـاعيـة والفـرديـة* ؛
الجهـل هـو الأعتقـاد بـالشـيء علـى خـلاف مـا هـو عليـه مـن الـواقـع ، ولهـذا كـان النبـي المصطفـى دائمـا يـدعـو بهـذا الـدعـاء:
*(اللهُـمّ أرنـا الحـقّ حقّـاً وارزقنـا اتبـاعه ، وأرنـا البـاطـل بـاطـلاً وارزقنـا اجتنـابـه)*
وهـذا التعـريـف ليـس شـرطـاً بعـدم العلـم بـواقـع الأشيـاء ، إنمـا مـن الممكـن أن يتعـامـى الجـاهـل عـن الحقيقـة نتيجـة التعصـب الهمجـي أو الأنـانيـة والتفـرّد بـالـرأي لحـبّ السلطـة والتحكّـم بشـؤون المجتمـع بمـا يتمتّـع بـالسلطـة المتـاحـة لـديـه ، فلهـذا لا يقتصـر الجهـل علـى فئـة معينـة ،فمـا أكثـر الجهـل والجهلآء بيـن الـزعمـاء والـرؤسـاء والمـدراء والمسـؤليـن ، وأكبـر دليـل علـى هـذه الأقـوال مـا نـرى مـن حصـر الأفكـار ومصـادرة بعـض الكتـب واغـلاق بعـض الجـرائـد وفـي بعـض الأحيـان يصـل الأمـر إلـى تغييـر الأسمـاء الأمـاكـن والمعـالـم والمـدن بهـدف تحـريـف التـاريـخ و طمـس الـواقـع…!!
كـلّ هـذا العبـث والتـلاعـب يصـدر نتيجـة الجهـل والإستبـداد بـالـرأي و عـدم السمـاح بـراي يعـارض الـرأي الحـاكـم ونتيجـة الإنفـراد بـالـرأي سيـؤدّي إلـى الجمـود الفكـري وإنـدثـار بقيـة الآراء التـي ربمـا تحمـل الازدهـار والتقـدم للمجتمـع وغيـابهـا سيبـرز مظهـر مـن مظـاهـر الجهـل والتخلّـف الفكـري.
وفـي هـذا البـاب ونظـراً لأهميتـه نـلاحـظ أنّ القـرآن الكـريـم يعطينـا الـدرس والعبـرة حيـث يـوصـي نبيّـه الكـريـم الـذي يستلهـم أفكـاره و كلمـاتـه مـن الـوحـي الإلـهِ ، أن يشـارك أصحـابـه فـي الـراي ولا ينفـرد بـرأيـه وكمـا قلـت الهـدف هـو تعليمنـا بقبـول و مشـاركـة الـرأي الآخـر.
﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِفَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾
كـذلـك سـوف يـؤدي الجهـل إلـى تقـويـض الـذات، وتـدهـور الأخـلق الاجتمـاعـي والاعتـداء علـى المبـادئ والقيـم الاجتمـاعيـة وعنـد تفشيـه وانتشـاره سـوف يـأخـذ بـالمجتمـع إلـى الإنـدثـار والـرجعيـة والتحجّـر ، وهـذا الانهيـار وغيـاب العقـول النـاضجـة سـوف ينتهـي بـأن يسـود المجتمـع الهلـع والفـوضـى واستبـاحـة القيـم والقتـل لأن افـراده سيتنـافسـون مـن أجـل البقـاء وسيكـون البقـاء لـلأقوى !!
مـن أجـل هـذه النتـائـج الـتي ينتهـي اليـها الجهـل ،نـرى دائمـا للعلـم والعقـل والحكمـة مكـانـة مـرمـوقـة عنـد الأنبيـاء والكتـب السمـاويـة والحكمـاء والمصلحيـن .
العقـل لغـويّـاً بمعنـى الامسـاك والمنـع ، ولهـذا يسمّـى الحبـل الـذي يـربـط الجمـل (عقـال) ، فسمّـي العقـل عقـلاً لأنـه يحفـظ الإنسـان مـن الانحـراف ويمنعـه مـن ارتكـاب الـرذائـل ، فبـالعقـل يكتسـب العلـم والحكمـة والمعـرفـة ، وبـالعلـم يصـل الانسـان إلـى السعـادة والـراحـة و مـا أجمـل وأروع القـرآن عنـدمـا يصـف لنـا العلـم والحكمـة حيـث قـال:
﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتيَ خَيْراً كَثيراً﴾
فقـد جعـل الخيـر والنعـم ببـركـة وجـود العلـم الـذي يُنيـرُ الظُّلمـَة و بـه ينجلـي الظلـم والاستبـداد ،فـأكثـر مـا يخيـف الطغـاة مـن أفـراد المجتمـع ، هـم النخبـة المتنـورة بنـور العلـم والمتفتحـة أفكـارهـم ، فلـم يُهضَـم شعـب تسلّـح بـالعلـم لأن العلـم هـو مصـدر السعـادة والأمـن والسـلام والـوئـام ولـن تجـد الحـروب والقتـال والظلـم والأضطهـاد إلا فـي المجتمعـات المتـأخـرة علميّـاً حيـث تـرى العصبيـة و الجهـل متفشيّـاً فـي أوسـاطهـا بسبـب هـذا الجهـل والفكـر الاستبـدادي الـذي لا يسمـح بتـرويـج العلـم لأنّ العلـم والظلـم لا يجتمعـان، ولهـذا يعـدّ العقـل أفضـل نعمـة وأغلـى ثـروة وهبهـا الله للإنسـان ليميـزه عـن بقيـة الأحيـاء كمـا قـال أرسطـو :
(إن أعلـى مـراتـب الإنسـانيّـة هـي السّعـادة التـي تنشـأ عـن الحيـاة العقليّـة ، لأنّ بـالعقـل يُميَـّز الإنسـان عـن غيـره مـن الكـائنـات، وسعـادة كـل كـائـن إنّمـا تقـوم علـى مـا تتميّـز بـه طبيعتـه، فـالحكمـة رأس الفضـائـل)
كمـا حظـي العلـم عنـد الأنبيـاء والكتـب السمـاويـة بمنـزلـة مـرمـوقـة ومكـانـة رفيعـة لأن رسـالـة الأنبيـاء جـاءت لإزدهـار الحيـاة ومسـاعـدة الانسـان للتقـدم والتطـور والعلـمُ مِـن مُقـَوّماتِ الحيـاةِ الأسـاسيُة حيـث لـم تقـوم الحضـارات الا بـالعلـم لأنّـه الـركـن الأسـاسـي لبنـاء الحضـارات وذلِـك مِـن خـلال صنـاعـة واكتشـاف الـوسـائـل والآليـات التـي يستطيـع الإنسـان مـن خـلالهـا مـواكبـة العصـر المتطـور .
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾
لـو بحثنـا فـي أسس الـركـائـز فـي الـدُوَل النـاميـة لـوجـدنـا أهـم أسبـابهـا لأنهـا تهتـمَّ وتُقَـدّر العلـم والعلمـاء ،عكـس الـدول والمجتمعـات المتنـاحـرة التـي تحـارب العلـم والعلمـاء ومـن أجـل هـذا تجـد السجـون مملـوئـة بعلمـائهـا وأصحـاب الفكـر والـرأي .
عنـدمـا يصبـح الشعـب مثقّفـاً ويهتـمّ بـالقـرائـة والعلـوم سـوف يفكّـر بـالتغييـر لحـلّ جميـع مشـاكلـه ولـذلـك سينعـم بحيـاة أفضـل ، فـالعلـم يلعـب دوراً إيجـابيـاً للتطـور فـي جميـع المجـالات مثـل الصنـاعـة والـزراعـة والاكتشـافـات والصحـة والتجـارة والعسكـريـة وغيـرهـا ، فلهـذا سيكـون البلـد مكتفـي بـافـراده ولا يخضـع للبـلاد الأخـرة بسبـب الحـاجـة وسيقضـي علـى الفقـر والبطـالـة حيـث إنّهـا الأسبـاب الـرئيسيـة لـوقـوع الجـرائـم عنـد غيـاب العلـم وتفشـي الجهـل فيقـوم القـويّ بـأكـل الضعيـف و يُسحـق حـق الشـريـف .
فـالجهـل والجهـلاء الـذيـن لا يعقلـون الأمـور ولا يفقهـون العلـم ولا يفكـرون بـالتغييـر والسمـو نحـو التقـدم والتطـور ولا يـريـدون نبـذ العـادات السيئـة والتعصبـات الهمجيـة هـم أخـطر وأشـرّ الخـلائـق علـى المجتمـع ويجـب التصـدي لهـم لكـي لا يعبثـوا فـي الأرض فسـاداً أو يستـبيحـوا دمـاء واعـراض وحـرمـات النـاس .
﴿اِنَّ شَرَّ الدَّوآبّ عِنْدَ الله الصُّمُّ البُكمُ الَّذينَ لا يَعْقِلُون﴾
بقلـــم :
احمــد العتيقـي
روووووعة قلمك دووووم أستاذ احمد العتيقي يا فخر الأهواز