﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾

لاشـكّ أن الله أختـار العـرب بحکمـة و علـم مـن بیـن الأقـوام لیکـونـوا مهـد هـذا الـدیـن و العقیـدة الکـاملـة المتکـاملـة و آخـر الأدیـان و ثمـرة دعـوة جمیـع الأنبیـاء و المـرسلیـن .لأنهـم یحملـون الخصـال الحمیـدة لـلإنسـانیـة و بـالمقـابـل لـلإسـلام الفضـل علـی العـرب کمـا علـی کـل البشـریـة لأنــه أخـرجهـم مـن الظـلمات إلـی النـور .البعـض یتصـور أن معنـی العصـر الجـاهلـي قبـل الإسـلام یسمـی ذلـك لجهـالـة العـرب فـي الـديـن أو لقلـة ثقـافتهـم الاجتمـاعيـة ، بینمـا التسميـة لا تعنـي هـذا ، إنمـا یسمّـی العصـر الجـاهلـي لـوجـود العصبیـة التـي کـانـت تحکمهـم.

قال عمـرو بـن کلثـوم صـاحـب أحـدی المعلقـات :

لا يجـهلــنَّ أحــــدٌ علينـــا
فنجهـل فـوق جهل الجاهلينا

بمعنـی مـن أعتـدی علینـا ظلمـاً و زوراً و عصبیـة وغـروراً ، سـوف نکـون علیـه أشـدُّ عصبیـة وأكثـرُ غـروراً .وبـالطبـع هـذه الحـالـة الـذاتيـة نـابعـة لـلأنـانيـة التـي كـانـت متـرسخـة فـي ذواتهـم ولا أريـد أن أثنـي علـى هـذه الصفـة الـمذمـومـة ولكـن لكـي يتضـح لنـا المعنـى الصحيـح للصـورة التـي رسمهـا البعـض عـن المجتمـع العـربـي قبـل الاسـلام.الصفـة التـي يـراد منهـا نعـت الشعـوب المتخلّفـة ثقـافيـاً هـيَ الجهـالـة وليـس الجهـل ، و الاختـلاف شـاسـع جـداً، فـالجهـالـة تعنـي عـدم الثقـافـة والمعـرفـة والنقـص فـي العلـم والسلـوك الفـردي والاجتمـاعـي کمـا جـاء فـي القـرآن الکـریم:﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وهنـا تعنـي قلـة المعـرفـة و نقصـان الثقـافـة .

إذن فـالجهالة تختلـف عـن الجـاهلیـة ، كمـا نقـرأ عـن الامـام الصـادق (ع) یقـول عـن جـده الامـام الحسین (ع):

* بذل مهجته لیستنقذ عبادك من الجهالة و حیرة الضلالة*

كمـا نـرى هنـا ایضـاً جـاءت مفـردة الجهـالـة وليـس الجهـل لأن الأمـر يتعلـق بضـلالـة شعـب قـد انحـرف عـن سبيـل الهـدايـة. وأمـا الجـاهليـة أو الجهـل فهـو عبـارة عـن شـدة و زيـادة فـي الأنـانيـة وحـب الـذات والتفـاخـر بـالأنسـاب والأمـوال والأمـور التعصبيـة و…. مثـلاًنقـرأ فـي تـاريـخ السيـرة النبـويـة والصحـابـة الكـرام هـذه الـروايـة أنـه عنـدمـا حصـل منـاوشـة فـي الكـلام بيـن الصحـابييـن الجليلييـن أبـي ذر وبـلال الحبشـي و قـال أبـي ذر رحمـة الله علیـه لبـلال :

( یـا أبـن السـوداء )

و ذهـب الصحـابـي بـلال رضـوان الله عليـه وشکـاه الـی رسـول الله صلّـى الله عليـه وآلـه وسلّـم فقـال صلـوات الله عليـه إلـى أبـي ذر مبينـاً لـه عـدم رضـاه لمـا بـدر منـه :
(إنّـك امـرؤٌ فيـك جـاهلـِية) بمعنـي لـم تـزل فيـك عصبيـة عـرقيـة و شـدّة فـي الخطـاب ، وهـذا أمـر طبيعـي أن يحـدث لأنهـم كـانـوا جـديـدي العهـد فـي الإسـلام ويحتـاجـون للـوقـت كـي ينتـزعـوا هـذه العصبيـة العـرقيـة ، بـل البعـض منـا لـم يـزل يحتفـظ ببعـض العـادات العـرقيـة ويتفـاخـر بهـا.اذا كـانـت الجـاهليـة تعنـي عـدم الـديـن والخلـق والثقـافـة ، فهـل أبـوذر مـا کـان قـد دخـل فـي الإسـلام ؟!!

اکیـد کـان مسلـم مـؤمـن مـوحـد فـي قـمم الإيمـان صـابـراً مجـاهـداً و لکـن کـانـت فیـه قليـل مـن العصبـیة لـم يـزل يحملهـا و قليـل مـن الشـدّة فـي الخطـاب.

ـــــــ ـــــــ ـــــــ
بقلـــم:
احمـــ العتيقـي ـــد

اشتراک این خبر در :