آداب الحوار – احمد العتيقى
﴿ وَمِـن النَّـاسِ مَـن يُجَـادِلُ فِـي اللهِ بِغَيـرِ عِلـمٍ ولا هُــدىً وَلا كِتَـابٍ مُنيـرٍ ﴾
طبيعـة الإنسـان أنّـه كثيـر المجـادلة والمعـارضـة للحـق إلاّ مـن خضعـت نفـوسهـم لـلإيمـان وعـرفـوا الحـقّ فـاتخـذوه سبيـلاً .
﴿وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا﴾
فكل نفـس في ذاتهـا تحمـل العنـاد والكبـرياء أو مـا يسمّـى الأنـانيـة ومـن صفـاتهـا أنهـا لا تتنـازل عـن رأيهـا بسهـولـة ، فـالـذي يبحـث عـن الحـقّ لا تعنـي لـه الأنـانيـة بشـيء والبعـض الـذي غلبـت عليـه أنـانيتـه لا يتنـازل عـن رأيـه حتّـى لا يشعـر بـالهـزيمـة!!وهـذا البـلاء الـذي نعـانـي منـه حيـث تختلـط فـي نقـاشـاتنـا منـزلـة الـرأي الصـائـب وقيمـة النفـس لـدى صـاحبهـا وفـي أغلـب الأحيـان تـرجـع الكفّـة التـي وضعـت فيهـا قيمـة النفـس أو حـب الـذات فعنـدهـا يعنـي التنـازل عـن الـرأي تنـازلاً عـن الكـرامـة والاحتـرام والهيبـة !! كثيـراً مـا نـواجـه فـي حيـاتنـا اليـوميـة الـروتينيـة أو فـي الفضـاء المجـازي هـذا النـوع من الكبـريـاء المـزيـف، بحيـث لا يسمـح صـاحـب الفكـرة للبـاقيـن بـأي شكـل من الاشكـال أن ينقـدوا أفكـاره وكـأنهـا وحـيٌ منـزل لا يسمـح بنقـده أو استفسـاره وعنـدمـا يُـوجّـه أحـدهـم نقـداً صـائبـاً كـان أو علـى خطـأ ،فسـوف يـلاقـي هـذا النـاقـد حملـة لاذعـة ويتعـرض لأنـواع التهـم والأهـانـات وكـل هـذا لأنـه سجّـل عـلامـة استفهـام علـى فكـرة غيـر مـدروسـة أو بعيـدة عـن أخـلاق المجتمـع الـذي نتعـايـش فيـه بمـوروثنـا الاجتمـاعـي.
ولهـذا البسبـب لـم نـلاحـظ حـراكـاً ونمـوّاً تقـدميّـاً يهـدف لإشبـاع السـاحـة العلميـة والأدبيـة والثقـافيـة بصـورة عـامـة ،و أكثـر مـا نـلاحـظـه عنـد البعـض مـن شعبنـا هـو عشقهـم للجـدال وخـاصـة فـي أمـور عقيمـة لـم تلـد لنـا الا التنـافـر والابتعـاد والتشتّـت والتنـاحـر. فمـا ان تطـرح فكرة حتّـى يحتشـد البـاقـون ليقفـوا بكـل قـواهـم بـالإعتـراض والنقـض والتقليـل مـن رأي صـاحـب الفكـرة فتنقلـب السـاحـة مـن نقـاشٍ فكـري إلـى مسـألـة شخصيـة ومـن ثُـمّ تتحـول الـى سـاحـة لتصفيـة الحسـابـات وينحـرف النقـاش عـن مسـاره ويسعـى كـل فـرد ان يبـرهـن وبشكـل مسـتميـت بـأنّ رأيـه الصـواب والأخـرين علـى خطـأ وبطبيعـة الأمـر سيحـاول الطـرف الأخـر ان يـدافـع عـن رأيـه و.المحبـط فـي الأمـر عنـدمـا تجـد الجـدال علـى امـر لايستحـق كـل هـذا التنـافـر فـي الاسـاس أبـداً .
*دعـونـا نتسـاءل لمـاذا الجـدال والعنـاد؟؟*
غـالبـاً ينتـج الجـدال العقيـم عـن نقـص فـي فهـم معنـى الهـدف مـن النقـاش أو نتيجـة الحسـد المكمـن فـي ذات النفـوس المـريضـة فتـراه يعتـرض ويخـالـف كـل فكـرة طـرحـت أو قـول كتـب لخـدمـة المجتمـع ولأنـه لا يـرى فـي ذاتـه تلـك القـدرة لتبنّـي وطـرح فكـرة مـرمـوقـة فلهـذا يحـسّ نفسـه قـد وقـع فـي مـزبلـة التهميـش ولكـي يثبـت وجـوده تـراه يخـالـف كـل الأفكـار المطـروحـة أو يمـارس التقليـد لبعـض افعـال النـاجحيـن ، أو يسـرق إبـداع هـذا وذاك وينسبـه لنفسـه مـن دون شعـور بـالاحراجٍ ،وهـذت اول السلبيـات النـاتجـة للجـدال العقيـم .
ولاحظنـا فـي بعـض الأحيـان بمجـرد أن يطـرح احـدهـم رأيـاً هـامّـاً أو فكـرة ثقـافيـة لخـدمـة المجتمـع حتّـى تـرى الطعـن والتجـريـح والتشكيـك مـن قبـل أهـل النفـوس المـريضـة معلنيـن مخـالفتـهم دون علـم مصطحـبين معهـم مـن يظـنّون سكـوتهـم أو مـوافقتهـم علـى الفكـرة خسـارة فـي سـاحـة النقـاش وهـذه فـرصـة لـلإنتصـار !!!
﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَق﴾
لهـذا علـى صـاحـب الفكـرة أن لا تنقـص همّتـه ولا يكـلّ عـزمـه وان لايستـغـرب كثيـراً لو رأى احـدهـم قـد تشحّـط غضبـاً وانتفخـت عـروقـه وأرتفـع صـوتـه وهـو يحـاول اثبـات صـواب اقـوالـه أو يستخـدم مفـردات استفـزازيـة بـاستهـزاء.وأيضـاً يـوجـد بعـض النقـاش النـافـع أو المجـادلـة المحمـودة و الغيـر مـذمـومـة نظـراً لمـوضـوع المجـادلـة أو النقـاش:
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾
أوصـى الله نبيـه المصطفـى صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يجـادل بعضهـم عنـدمـا يكـون الهـدف من هـذا الجـدال هـو الـدعـوة الـى سبيـل الهـدايـة والـوصـول إلـى الحـقّ بـالحكمـة والـدليـل القـاطـع والبـرهـان العلمـي الـذي يستنـد للمنطـق العلمـي أو النظـري ،فهـذا النقـاش والجـدال سيكـون محمـوداً بشـرط أن يتـمّ فيـه رعـايـة آداب وشـروط المجـادلة الصحيحـة وكـذلـك مـع خلـوص النيّـة للـدعـوة بمـا هـو صـلاح وخيـر يـدرّ منفعـة للمجتمـع .وكـذلـك عنـدمـا يكـون هنـاك مـن يحـاول أن ينـال مـن حقّـانيـة الـديـن مستفيـداً فـي كلمـاتـه من السفسطـة ليـوحـي بـذلـك فـي بطـلان ديننـا ، أو لإثبـات أمـر يتعلّـق بمعلـومـة علميـة تحمـل الخيـرٌ للبشـريـة .
أو دفـاعـاً عـن رمـوز الإسـلام أو ازالـة غبـار التشكيـك عـن عقـائـدنـا حيـث أنّ المجـادلـة ستظهـر الحـقّ وتـذهـب الـريـب والشك ، فستكـون المجـادلـة الثـريـة بـالأدلـة والعلـم ممـدوحة بشـرط أن الطـرف المنـاظـر قـد يجـادل فـي أمـورٍ يجهلهـا وليـس مـع مـن يعـرف الحـق ويـروق منـه وقـد امتـلأ وجـوده حقـداً وعنـاداً ومـرضـت نفسـه فهـو يجـادل لهـواه متعـاميـاً عـن الحـق ، يتعـب فكـرك ولا يفهـم كـلامـك لأنّـه لا يحمـل بـداخلـه المعـرفـة فتـراه يجـادل فـي كـل الأمـور ويسبـح ضـدّ التيـار ليثبـت ذاتـه ،تـأتـي لـه بـالـدليـل ويعـرض عـن الحـق بعـد مـا يعـرفـه ، فهـذا لا يصـح النقـاش معـه ولا يستحـق أن نهـدر مـن أجلـه الـوقـت والطـاقـة ، لأنّ هـؤلاء كمـا وصفهـم القـرآن الكـريـم :
﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾
وكـذلـك قـال عنهـم القـرآن الكـريـم :
﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾
والمجـادلـة التـي نهـى عنهـا القـرآن والمـذمـومـة ،فهـي التـي تكـون فـي متشـابـه القـرآن ومحـاولـة البعـض أن يجـد مبـرراً شـرعيّـاً لعقيـدتـه المنحـرفـة أو لتكفيـر بـاقـي المسلميـن حيـث تـراه يتـرك النـص الصـريـح الـذي ذكـره بـآيـات القـرآن ويتشبّـث بمـا تشـابـه فـي القـرآن :
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾
وقـد نهـى القـرآن أيضـاً عـن المجـادلـة فـي الحـقٌ بعـدمـا تبيّـن لهـم :
﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ﴾
ومـن الضـروريـات التـي ذكـرهـا القـرآن عنـد المتجـادليـن وعـدم تـوفيـره سيكـون نقـص مـذمـوم ، هـو وجـود العلـم والمعـرفـة عنـد مـن يلـزمـه الأمـر بـالجـدال والدفـاع عـن فكـرة عليـه أن يمتلـك المعـرفـة والعلـم الكـافـي فـي هـذا الأمـر ، فـإذا جـادل عـن جهـل بـالتـأكيـد لـن تتـوصـل معـه لنتيجـة عـدم تـوفيـر الـركيـزة القـويـة فـي جـدالـه علـى الأسـس العلميـة والبـراهيـن العقليـة .
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ﴾
ويقـول أيضـاً:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُفِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾
فـلا تتـذمّـر ممّـن يجـادلـك وهـو يحمـل فـي ذاتـه العلـم ويبحـث عـن الحقيقـة بـالـدليـل والبـرهـان ،ولكـن أكثـر النـاس يثيـر غضبـك الـذي يجـادل بغيـر علـم ومعـرفـة ولا يخضـع لكـلّ الأدلـة وهـذا الـداء الـذي حـلّ بمجتمعنـا وانتشـر بشكـل واسـع واختلـط الحـابـل بـالنـابـل !!
هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم

أحسنت الكاتب البارع صاحب القلم الحر أستاذ احمد العتيقي دمت للاهواز منارة علمية